تفسير قوله تعالى: (وجعلنا من بين أيديهم سداً)
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [يس: ٩].
وجعل بينهم سداً بكفرهم ومرض قلوبهم وفساد ضمائرهم، كمن جعل بينه وبين الهداية ورؤية النور سد أمامه وسد خلفه.
والسد: الحاجز يمنعه عن الحراك أماماً أو الحراك خلفاً، فهو كيفما تحرك يجد نفسه بين سدين، وقرئ: (سُداً)، وهي قراءة نافع؛ فإنه قرأها: (وجعلنا من بين أيديهم سُداً ومن خلفهم سُداً).
وقوله: (فأغشيناهم) أي: جعل عليهم غشاوة، فهم لا يبصرون ولا ينظرون ولا يستطيعون تصرفاً، فعميت منهم الأبصار وغلت منهم الأيدي إلى الأعناق، وجعل بينهم وبين الحقائق، وبينهم وبين التوحيد والإيمان سدوداً، سُداً من أمام وسُداً من خلف، ثم غشيتهم الظلمة لفساد قلوبهم وعظم جرمهم.
قوله: ((فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)) كقوله تعالى: ﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٨]، فإذا لم تعم الأبصار فقد عميت البصائر، وكما قال ربنا كذلك: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦]، فأخذتهم غشاوة، ونشرت الظلمة فلم يعيشوا إلا في ظلام الشرك والكفر والمخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، والمخالفة لله فأقروا على ذلك، فكانوا في كفرهم وضلالتهم، كذاك الذي غلت يداه إلى عنقه، فلا يستطيع لرأسه تحريكاً، كذلك الذي جعل بينه وبين الأنام سدود فلا يستطيع أن يتقدم، ولا يستطيع أن يتأخر، ثم غشي عليه بالظلام وأخذه ظلام ظلله وغطاه وغشاه، فهو إذاً: في ظلام وسدود وأغلال من فوق ومن تحت ومن أمام ومن خلف.
قال تعالى: ((فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)) أي: لا يبصرون النور ولا يبصرون الحق، ولا يؤمنون بالله واحداً ولا بمحمد نبياً خاتماً صلى الله عليه وسلم، ولا بالقرآن إماماً، ولا بالنور نوراً، فهم يرون النور ظلاماً، ويرون الظلام نوراً، انقلبت في أعينهم الحقائق وأصبحوا لا يبصرون.


الصفحة التالية
Icon