تفسير قوله تعالى: (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)
قال تعالى: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [يس: ١٠].
فهؤلاء قد أصبحوا في كفر وضلال وظلمات، فلم يعد ينفعهم إنذار، إن أنذرتهم بالنار استهزءوا وتضاحكوا، وإن أخبرتهم بالجنة استهزءوا وضحكوا، وإن قلت لهم: الله أكرمكم بنبي جمع فيه من الخلال ما لم يجمعه في أحد قبله تضاحكوا كذلك واستهزءوا، وسواء هددتهم بالعذاب أو لم تهددهم، دعوتهم للحق أو لم تدعهم؛ لا يؤمنون، فالضلال والهداية والنار والجنة والنبوءة والشعوذة في أعينهم سواء، أي: لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بدينه.
قال تعالى: ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ [يس: ١١].
يقول تعالى: إنما نذارتك ووعيدك يفيد الذين آمنوا، تفتحت قلوبهم للسمع والوحي والإدراك، فإذا قلت لهم: قال ربنا، أرعوا سمعهم وأخذوا ينصتون إليك متمعنين مفكرين، وإذا شرحت لهم آية أو زدتهم بياناً فيها، تجدهم كلهم آذاناً مصغية، وتجدهم كلهم على غاية ما يكونون من الاهتمام بها؛ لأن قلوبهم ليست بمريضة؛ لأنهم لا يقارعون الحق ولا يحاربونه، بل كانوا ينتظرون هذا منذ زمن، ينتظرون هادياً من الله ونذيراً، ينتظرون رسولاً يأتيهم فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويرفع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.
فهؤلاء تفتحوا للحق وتفتحت آذانهم لسماعه ونفوسهم لقبوله، فهؤلاء وحدهم هم الذين يقبلون ويدركون والذين تفيد فيهم النذارة.
فقوله تعالى: ((وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)) أي: فهم على حالهم من الكفر ودوامه.
قوله تعالى: ((إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ))، أي: من اتبع القرآن واتبع محمداً عليه الصلاة والسلام، فالذكر: القرآن، والذكر: محمد عليه الصلاة والسلام، والذكر: السنة المطهرة.
قوله: ((وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)) أي: خاف الله وهو في عتمة وغيب لا يراه أحد ولا يرى أحداً، فتراه يخشى الله ولا يرتكب كبيرة ولا يعصي ربه؛ لأنه يعلم أن الله يعلم ما في السر والعلن، والسر والعلن عنده سواء، فمن كانت علانيته كسره لا يعصي الله في خلوة، فتراه يؤمن بالغيب، ويؤمن بالله وهو لم يره، ويؤمن بالجنة والنار وهو لم يرهما، وآمن بأن النبي ﷺ صادق، وأنه ما قال إلا الحق، وأنه أتى على ذلك بالدلائل والبراهين القاطعة من المعجزات البينة التي لا ينكرها إلا أعمى البصيرة.
قوله: (وخشي) أي: خاف الله في الغيب كما خافه في العلن، وخاف الله ولم يره، وهو حاضر معه ناظر: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فتراه في آثاره: سمائه وأرضه، وكل ذلك أثر من آثار الله وخلق من خلق الله، فإن لم نر ذاته جل جلاله فقد رأينا آثاره في خلقه للسماوات وخلقه للأرضين وخلقه لأنفسنا.
قال تعالى: ((فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)) هذا الذي خشي الرحمن واتبع الذكر، وقبل نذارتك ونبوءتك وهدايتك انتقل معه من النذارة والتهديد والوعيد إلى البشارة، قال تعالى: ((فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ)) أي: بشره بأن الله غفر له ما قبل الإسلام من وثنية وكفر، وبشره بما فعل في حال الإسلام عندما تاب إلى الله وأناب بأن الله يتوب على من تاب، فبشره بمغفرة ذنوبه وبأجر كريم.
والأجر الكريم: هو رضا الله ودخول الجنة ودوامها إلى الأبد.


الصفحة التالية
Icon