تفسير قوله تعالى: (أأتخذ من دونه آلهة)
قال تعالى: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣].
أي: أتريدون مني أن أتخذ مع الله آلهة لا تضر ولا تنفع، وهي آلهة مخلوقة جماد لا تحس ولا تشعر ولا تسمع شيئاً.
﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ﴾ [يس: ٢٣].
أي: فإن عذبني الله وعاقبني فلا تستطيع آلهتكم هذه أن تنقذني من ذلك، ولا أن تكون نصيراً وولياً لي، فهي آلهة مزيفة باطلة لا تضر ولا تنفع، فأنا قد تركتها، واستجبت لدعوة هؤلاء المرسلين.
قال تعالى: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣]، فلا تنقذني ولا تناصرني، ولا تدافع عني ولا أثر لها.
فالله جل جلاله يرحم المؤمنين الموحدين ويدخلهم الجنة، ويعذب الكافرين المشركين ويدخلهم النار، فإن أصابني ضر من الله على اتباعي للآلهة إن بقيت على عبادتها وإشراكها مع الله فهي لا تنقذني من عذاب الله، والله يعذب المشرك والجاحد كما يعذب كل كافر، وقد حرم الله جسده على الجنة.
قال تعالى: ﴿إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣]، أي: لا يستطيعون الشفاعة ولا يدركون ذلك؛ لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، وسواء كان المعبود جماداً وهو من الأصل لا يضر ولا ينفع، أو كان ملكاً كما كانت طوائف من الناس تعبد الملائكة، أو كان نبياً كما يعبد النصارى عيسى ومريم، أو كان جنياً كما يعبده الكثيرون، وحتى هؤلاء الملائكة أو الجن أو الأنبياء أو البشر كلهم لن يستطيعوا الشفاعة لكافر، بل ولن يستطيعوا الشفاعة حتى لمؤمن إلا إذا أذن الله، والله لا يأذن بالشفاعة للكافر، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ١١٦].
فهذا العابد الصابر اسمه حبيب النجار، وعرف في التاريخ وفي السير بأنه حبيب صاحب آل ياسين، أي: صاحب سورة ياسين، لأنه كان المؤمن الوحيد الذي آمن بهؤلاء الرسل، وقال: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ﴾ [يس: ٢٣]، أي: لن يستطيعوا نفعي بشيء، ولن يستطيعوا إنقاذي من عذاب الله ومن ناره ومن غضبه.
قال تعالى: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤]، أي: إن أنا فعلت ذلك وأشركت واتبعت دينكم، وتركت الإيمان بالله وبما جاء به هؤلاء الرسل ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ٢٤] أي: في خطأ وفي عماية وفي جهالة بينة ظاهرة لا تحتاج إلى دليل.
فأنا لا أعبد إلا الخالق الرزاق، وأترك عبادة الأشياء التي لا تضر ولا تنفع ولا تدفع من أحد، سواء كانت من الأحياء أو من الأموات والجمادات، فالأمر كله بيد الله، ولا يعبد إلا الله.
وهذا الذي قاله هؤلاء الأنبياء الثلاثة أنا معهم عليه، فأنا قد آمنت وتركت الشرك والأوثان ورجوت من الله المغفرة، وإن عدت إلى دينكم فأنا في خطأ وضلال ظاهر بين، ثم زاد وصرح وأعلن كما هو شأن المؤمن الثابت.


الصفحة التالية
Icon