تفسير قوله تعالى: (إني آمنت بربكم فاسمعون)
قوله: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥]، فهو ليس ربي فقط، وإنما هو ربي وربكم، وقد آمنت به إلهاً واحداً وخالقاً رازقاً، بيده الخير كله، والشر كله، خلق الجنة والنار، خلقنا في الدنيا التي هي برزخ للآخرة، وخلق الآخرة للدوام، إما إلى جنة وإما إلى نار، فالنار للمشركين وعصاة المسلمين، من شاء الله أن يعذبه وشاء أن لا يغفر له، والنار للكافرين أبداً دواماً، فهؤلاء للأبد وهؤلاء للأبد فلا موت.
قوله: ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥].
أي: فاسمعوا هذا الكلام وافهموه، فأنا قد آمنت.
وقال هذا لما قالوا له: أأنت مؤمن بهؤلاء ومقر برسالتهم؟ وهل تركت دين قومك؟ فقال: ﴿وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [يس: ٢٢] إلى أن قال: ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ [يس: ٢٥].
وفي هذه الساعة نفذ صبرهم، وانتصروا لشركهم وآلهتهم المزيفة الباطلة، فقاموا إليه ورجموه بالحجارة حتى الموت.
وقال الحسن البصري: ربطوه في حنجرته بعد أن أدخلوا فيها حديداً ورموه بالحجارة وعلقوه مصلوباً، كما قتلوا الأنبياء الثلاثة على ما ظهر منهم من بينات ومعجزات وعلامات على صدق رسالتهم ونبوتهم من إحياء الموتى وشفاء المرضى، ولم يخطر على بال أحد منهم أن يقول: إن هؤلاء ليسوا سحرة، فالساحر لا يحيي الموتى، ولا يشفي المرضى، وخاصة المريض المزمن، والذي يصاب بالجنون أو بالجذام، نسأل الله اللطف والسلامة.
فعندما مات قال له ربه: ادخل الجنة، وقال له الملائكة: ادخل الجنة، منعماً بلا حساب ولا عقاب؛ لأنه مات شهيداً في الدعوة إلى الله، وقد كان واقفاً بين هؤلاء غير عابئ بعصيانهم ولا بوعيدهم ولا بتهديدهم، وهذا مما أقرته شريعتنا ودعت إليه، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره فنهاه فقتله)، أي: الشهيد الثاني بعد حمزة من قام إلى سلطان أو حاكم جائر فدعاه إلى الله فأخذته العزة بالإثم فقام فقتله.


الصفحة التالية
Icon