تفسير قوله تعالى: (وآية لهم الأرض الميتة)
قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٣].
يقول ربنا: هؤلاء الذين أنكروا البعث والحياة بعد الموت، أفلم تكن لهم آية وعلامة ودليل وبرهان قاطع ما يرونه بأعينهم ويحسونه بأجسامهم من إحياء الأرض الميتة.
قال تعالى: ((وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ))، وقرئ الميّتة، وهما بمعنى واحد، أي: أفلم تكن لهم آية في الأرض؛ فأيام الشتاء تيبس أشجارها ويتحات ورقها وتصبح الأرض وكأنها لم تنبت يوماً، فإذا جاء فصل الربيع أخذت الأشجار في التلقيح، والأرض في الإنبات، ويرسل الله المطر والغيث، وإذا بها حية بعد الموت تهتز وتنبت وتربو وتصعد، فتنبت شجرها الذي يبس، وتنبت ما كان فيها من حب، ثم يصبح سنابل، ثم ثمر، ثم يصبح حباً وفواكه من كل نوع زوجان.
قال تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ [يس: ٣٣] بالماء والمطر والغيث، ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٣]، بعد أن أحياها بالمطر أخرج منها حباً من القمح والشعير وما إلى ذلك، فنأكل منه نحن ودوابنا ومواشينا، فنحيا بذلك ونعيش عليه، وهذا الحب والقمح أنبته وخلقه الله جل جلاله، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تخلقه أو تخلق مثله، بل لو اجتمعوا على أن يخلقوا ذباباً لما استطاعوا، وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب.
قوله تعالى: ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٣٣] أي: منه يأكل الجاحدون والمؤمنون، ومنه تأكل دوابهم ومواشيهم وجميع الأحياء.


الصفحة التالية
Icon