تفسير قوله تعالى: وجعلنا فيها جنات من نخيل)
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٤ - ٣٥].
يذكر ربنا أنه جعل لنا من الأرض جنات وبساتين، فيها من الأشجار من كل نوع من الحب والفواكه والخضروات والثمار وكل ما يرجوه الإنسان ويشتهيه في الأرض، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس: ٣٤].
وذكر النخيل والأعناب لأنها ثمارها سيدة الفواكه، فالتمر طعام وفاكهة لنا ولدوابنا، وقد أثنى عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما سأل يوماً في المجلس: (أي الشجر هو كالإنسان لا فُضل فيه؟)، أو كما عليه الصلاة والسلام، وكان في المجلس عبد الله بن عمر وهو أصغرهم، فأخذ الحاضرون يقعون في شجر البوادي وكانوا من كبار القوم، كـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الرعيل الأول يذكرون أنواع الشجر إلا النخلة لم يذكروها، إلى أن قال لهم عليه الصلاة والسلام: (هي عمتكم النخلة)، فقال عبد الله لأبيه عمر: والله يا أبي! لقد خطرت ببالي، ولكنني استحييت أن أقولها، قال: لو قلتها لكان أحب إلي من حمر النعم.
فقد أراد عمر أن يقول ولده هذه الكلمة؛ لتدل على ذكائه ونبوغه.
وقوله: (عمتكم النخلة) قالوا: لأن أبانا آدم خلق من تراب، وما بقي من صنعه وخلقه خلقت منه النخلة، فكانت أختاً لأبينا آدم.
والنخلة كلها: شجرها وجمارها وسعفها ينتفع منه، فالتمر يؤكل فاكهة لذيذة وحلوى، وما سوى ذلك يتخذ حطباً، والنوى تعلف به الإبل فتسمن منه وتقوى، وليس في التمرة ولا النخلة فضول أو زائد.
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ [يس: ٣٤]، فذكر النخلة لرفعتها والأعناب تأتي بعدها، ((وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ))، أي: ومن باقي الثمرات والفواكه كلها.
قال تعالى: ﴿وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ﴾ [يس: ٣٤].
فجر الله الأرض عيوناً؛ لتسقي هذه الثمرات، وليعيش بها الإنسان، ويتقوى عليها إلى أن يموت كما يموت كل حي.
قوله تعالى: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ﴾ [يس: ٣٥].
خلق الله هذه البساتين والجنات والحبوب؛ ليأكل الناس من ثمرها -والثمر جمع ثمرة- ومن فواكهها ومن نتائجها ومما تنبت وتعطي، كما قال تعالى: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ [يس: ٣٥].
فهم لم يصنعوا ذلك بأيديهم وإنما الله هو الذي خلق التمر والثمر وكل نوع، والماء الذي نسقي به هو الذي خلقه، والتراب الذي ينبت هو الذي خلقه، واليد التي تحرثه وتستنبته هو الذي خلقها، والعقل الذي يفكر ويدبر ويخطط هو الذي خلقه، فالكل إذاً خلق الله، وليس لنا من ذلك شيء.
وإذا أراد الله أن يظهر فضله عليك خلق ونسبه إليك، كما قال تعالى: ﴿لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ﴾ [يس: ٣٥].
أي: قل لهؤلاء: إن هذه الثمار والجمال والسماء والأرض وما في أنفسكم وما رزقتم به؛ كل هذا من خلقه وصنعه، وإذا كان كذلك ولا يستطيعون جحوداً لذلك ولا إنكاراً أفلا يشكرون؟ وهو استفهام تقريري، أي: ينبغي أن يشكروه، والشكر يكون بالعمل وبالقول، ومن القول: لا إله إلا الله، وهي أعظم الشكر، والحمد لله، والشكر لله، ويكون بالعمل، مثل: الصلاة والصيام والزكاة والحج، وجميع الأعمال الصالحة التي هي عبادة لله، وكذلك ما كان خدمة لعباد الله وسعياً لمصالحهم.