تفسير قوله تعالى: (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)
قال تعالى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩].
وقرئ: ((وَالْقَمَرُ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ)) بالرفع.
منازل أي: مراحل ودرجات وأزمان، فالقمر يتنقل في منازل تعد ثمانية وعشرين منزلاً، هذا القمر يبتدئ هلالاً ثم يكبر إلى أن يُصبح قمراً في الليالي الأضحيانية في اليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، ثم يتراجع بعد ذلك حتى يصبح كما كان، فقال الله تعالى: وكذلك جعلنا لهم القمر من المعجزات والبينات على قدرة الله وإرادته، وأنه القادر على كل شيء، والمقدر لكل شيء والعليم به.
فقوله تعالى: ((وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ)) أي: جعل له قدراً ووقتاً وزمناً لا يتخطاه ولا ينقص ولا يزداد، إلى أن ينتهي وينتهي معه العالم كله.
قوله: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾.
أي: كما كان يعود، كان هلالاً فسيعود هلالاً، ثم يختفي، ثم يعود، وهكذا.
والعرجون: عنقود التمر الذي فيه الشماريخ، ذلك العود الأصفر الذي يحمل العذق والعنقود من التمر إذا بلي وأصبح قديماً تجده قد انتهى، وأصبح على شكل الهلال، والله شبّه به القمر، والقرآن نزل بلغة العرب، فتشابيهه واستعاراته حسب قواعد لغة العرب.
وذلك العود الذي هو أصل العذق والعنقود من التمر الذي يكون فيه تلك الشماريخ عندما يُقطع من نخلته ويُترك حولاً تجده قد التوى واستدار، وأصبح كهيئة الهلال.
فقوله: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ [يس: ٣٩] أي: فمن صنع ذلك؟ من خلقه؟ أليس ذلك علامة ودلالة على قدرة الله المنفرد بها، القادر على كل شيء جل جلاله وعز مقامه؟