تفسير قوله تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر)
قال تعالى: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
الشمس أي: النهار، لن يدرك القمر ولن يدخل فيه، ولن تكون شمس وليل، ولا ليل وشمس، فإذا حصل ذلك فمعناه أن الدنيا قد آلت إلى البوار والفناء، وأنهى الله طبيعتها ونظمها فستصبح كالعهن المنفوش، فلا جبال ولا سماء، ولا أرض ولا وهاد، ولا شيء يتحرك، قال تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧].
قوله: ((لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا)).
أي: لا ينبغي لها ولا يليق، وليس ذلك من قدرتها وإرادتها، وما أُمرت به وسخّرت له: أن تكون الشمس للنهار، وأن تكون الظلمة لليل، فلا هذا يسبق هذا، ولا هذا يسبق هذا، فإذا كانت الشمس فلا يكون الليل، وإذا كان الليل فلا تكون الشمس، فلا يسبق هذا هذا حتى يتداخلان ويصبح الليل نهاراً، لن يكون ذلك أبداً ولن يختلط.
ولذلك فإن كل ما في الكون خلقه الله على نظام دقيق بالثواني لا تزيد ثانية ولا تنقص، إلى أن يقدّر الله فناء العالم، وقد مضت دهور وعصور قبل أن يكون الدهر والعصر، وكان الله ولا شيء معه، وسيبقى ولا شيء معه، ثم خلق العرش، ثم خلق الماء، وكان العرش على الماء، وخلق الأرض والسماوات في ستة أيام، فما خلقه فهو على نظام كبير دقيق، وسيبقى كذلك إلى أن يشاء الله جل جلاله فناء العالم والكون.
((لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ)) أي: لن يدخل أحد في حساب أحد، ولن يكون ليل ونهار في آن وزمن واحد، فالليل بنظام، والنهار بنظام، وهما يجريان متتابعين أبداً وسرمداً، ويتسابقان ويبقى أحدهما سابقاً للآخر، ينتهي الليل فتشرق الشمس، وتغرب الشمس فيكون الليل.
فالمعنى: وآية أيضاً وعلامة ودلالة على قدرة الله هذه الشمس وهذا الليل اللذان لا يتداخلان، واللذان لا يخرب نظامهما، ولا يدخل أحدهما في الآخر، بحيث يصبح الليل نهاراً والعكس، ولن يكون ذلك أبداً، فإن كان فهي نهاية العالم عندما تُشرق الشمس من مغربها.
قوله: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠].
(وكل) أي: الشمس والقمر كلاهما، فالتنوين تنوين عوض.
(فلك): قال عبد الله بن عباس: فلك كفلك الرحى، أو كفلك المغزل وهو المحور.
فهذه الشمس وهذا القمر يجريان خلف بعض ما دامت الدنيا لم تفن، ولم يدمرها الله، ولم يقض بنهايتها، فهي هكذا باستمرار، القمر على حدة، والشمس على حدة، والقمر وما فيه يدور ويسبح في الفضاء، كما أن الشمس تسبح في الفضاء، لا يتداخلان ولا يخرب نظامهما ما لم يرد الله فناء العالم، وهكذا دواليك أبداً إلى أن يُنهي الله الكون ويفنيه: ((لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ)) أي: الشمس والقمر ((فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)) أي: في محور وفي مغزل، هذا خلف هذا، وهذا خلف هذا.