تفسير قوله تعالى: (إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين)
قال تعالى: ﴿إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾ [يس: ٤٤].
أي: إلا إذا رحمناهم وأنقذناهم ولم نغرقهم.
قوله: ((وَمَتَاعًا)) أي: نفعل ذلك متاعاً نمتعهم به ((إِلَى حِينٍ)) أي: إلى اليوم الموعود وهو الموت.
فيمتعهم الله بالحياة وبما في الأرض من شهوات، وبما يكرم الله عباده من عبادة وصلة، ولكن كل ذلك لم يكن أبداً في دار الدنيا، ولن يكون إلا إلى أجل مسمى عنده لا يعلمه إلا هو؛ فهو جل جلاله يظهر امتنانه على عبده؛ ليشكر وليحمد، ويزداد إيماناً بالله أن هذه البحار سخرها الله لنا لنركبها على هذه الأخشاب وهذه الحدائد على أي شكل كان نوعها.
فنحن قد ركبنا البحار منذ ثلاثين عاماً إلى أن كثر الطيران بأنواعه فاستغنينا عن ذلك، فكنا نركب -وخاصة المحيط- وإذا بالموجة تكون كأنها الجبل، وترى السفينة تمر بين جبلين، ثم تتلاطم الأمواج وإذا بالسفينة كريشة في مهب الرياح، وقد مضت علينا أيام نرى أنفسنا فيها في حكم الموتى.
على أن هذا يكون كذلك في الطائرات، فكم تلاعبت بنا الرياح في الطائرات! وكم قضت بنا بين السحب والغمام! ولكن الله تعالى هو المنجي (ونعم الحادث الأجل) كما يقول المثل؛ فما دام الأجل لم ينته بعد، وساعة الموت لم تحن، فالمرء محروس بحراسة الله سواء ركب الأجواء أو ركب البحار أو ركب الصحاري أو أي شيء كان.
أما إذا جاء الأجل فقد يموت بغير سبب، وقد يموت بسكتة، وقد يموت بسقوط من أعلى.