تفسير قوله تعالى: (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون)
قال تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ [يس: ٥١] وهذه النفخة الثالثة، وهي نفخة الحياة، ونفخة البعث بعد الموت، فينفخ إسرافيل وإذا الكل قيام ينظرون.
فقوله: (ينسلون) أي: يجرون، وجاء في الحديث أن ضعيفاً شكا لرسول الله عليه الصلاة والسلام ضعفه وما يصنع؟ قال: (عليك بالنسل) ومعنى النسل: الجري، أي: المشي بسرعة والهرولة، ويظهر أنه كان ضعيفاً لعدم التريض وعدم الحركة، فأمره بأن يتحرك ويمشي مسرعاً لعل أعضاءه تتحرك فيشفى ويعود إلى صحته.
((يَنسِلُونَ)) أي: يجرون بسرعة، ومنه النسل، فالأبناء للآباء يعتبرون نسلاً، وإذا بالولد تراه صغيراً فيغيب زمناً فتأتي إليه وتجده قد أصبح رجلاً وأباً، وهو قد جرى من الطفولة إلى الأبوة، ثم تغيب عنه قليلاً وإذا به تجده قد أصبح شيخاً ذا أسباط وأحفاد؛ وهكذا الحياة تجري وتسرع.
قوله: ((فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ)).
الأجداث: جمع جدث وهو القبر، أي: وإذا بهم يقومون من قبورهم يُتبعون إلى حيث العرض، وقد وردت أحاديث أن المحشر والمنشر سيكون في أرض الشام، فمن كان قريباً منها سيكون وصوله بقرب، ومن كان بعيداً منها سيتعب، ومع ذلك لا بد من الوصول طال الزمن أو قصر، وهناك يوم طويل كألف سنة مما تعدون، لو مشى من الألف سنتين مسرعاً على قدميه فسيصل لا محالة، وكم أتى من أناس للحج على أرجلهم من مشرق الأرض ومن مغربها وقد وصلوا ولا شيء عليهم.
قوله: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ﴾ [يس: ٥١].
أي: إذا هم يجرون إلى ربهم وإلى العرض عليه والقضاء إلى أخذ الظالم بظلمه، وإلى مكافأة المحسن برحمته وجنته إلى أن يقفوا بين يدي الله، واليوم شديد قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤ - ٣٧] يشتد عرق الواقفين المعروضين على الله يعرقون عرقاً حتى يغرق بعضهم في غرقه إلى ركبته، والبعض إلى سرته، والبعض إلى جميع ترقوته ويبقى غارقاً ولن يموت؛ لأنه انتهى الموت، ولكن يبقى يعذّب، وتكون هناك منقبة وفضيلة في هذا اليوم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤذنون يوم القيامة أطول الناس أعناقاً)، فمن لم يفهم الحديث يقول: وما فضيلة طول العنق؟ أهو شيء جميل؟ وفضل هذا هو عندما يعرق الناس يوم العرض على الله تجد هذا مهما غرق في عرقه تبقى عيناه ومنافذ وجهه بعيدة عن الغرق، وذلك ببركة ما كان يدعو به بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح، ذاك يوم المؤذنين، ومن قبل الله منهم طاعتهم وعبادتهم.