تفسير قوله تعالى: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)
قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].
أي: يقوم هؤلاء الكافرون الذين كانوا ينكرون البعث وهم يرون أنهم قد عاشوا بعد الموت ما كانوا ينكرونه، ثم عادوا وعاشوا في واقعه، فينادون إذ ذاك بالويل والثبور: يا ويلهم! يا ويلهم! أي: ما ينتظرهم من عذاب، والويل: هو مناداة، وهو نهر من القيح والصديد في النار؛ فكأنهم يستعجلون ذلك بغير قصد، فتجد الإنسان إذا تعجب أو خاف من عذاب أو ويل وهو في مستقبل أيامه تجده ينادي: يا ويلاه يا ويلاه يا مصيبتاه! قوله: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢].
أي: من أقامنا؟ من أحيانا؟ من بعثنا وأعادنا للحياة ونحن رقود في هذه الدهور والأزمان المتطاولة.
قوله: ((مِنْ مَرْقَدِنَا)).
المرقد معناه: أنه كان ممداً امتداد الراقد والنائم؛ وهذا ينافي ما هو معلوم من الدين بالضرورة عند من يفهم هكذا، فإن الكافر والعاصي يبقى في قبره يعذّب في روحه إلى أن يُبعث مرة أخرى، ويعذّب جسداً وروحاً، فكيف يهرب من الرقود؟ معناه كان مرتاحاً.
وقد فسّروا الآية بتفسيرين: فـ ابن عباس وابن مسعود ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري والجمهور قالوا: المعنى أن هذا الرقود كان يعتبر عذاباً بالنسبة إلى حالهم في الدنيا، أما العذاب المقبل -عذاب النار- الذي وصفه: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ﴾ [النساء: ٥٦] فهذا الرقود وهذا العذاب في القبر يعتبر راحة بالنسبة لذلك العذاب.
وقال البعض: وردت آثار في أن ما بين كل نفخة ونفخة أربعون عاماً، فالنفخة الأولى للصعق إلى البعث تبقى أربعين سنة، وفي هذه الحالة يرتفع عنهم العذاب، فيرقدون في راحة لم يروها منذ ماتوا، وإذا بهم عندما يبعثون ويعود النفخ مرة ثانية يتمنون أن لو بقوا رقوداً، وهم قد رأوا البعث والحياة الثانية وكانوا ينكرونها، وقد علموا ما ينتظرهم من عذاب وغضب: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس: ٥٢] أي: من موتنا.
وإذا بهم بعضهم يجيب بعض: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].
اعترفوا بعد فوات الأوان، وندموا ولات حين مندم، فلا ينفعهم بعد ذلك إيمان، ولا ينفع الإنسان إيمانه إلا إذا كان حياً وقبل أن تصل الروح إلى الحلقوم؛ أما في يوم القيامة فلا ينفع الإيمان بالآخرة وهو يراها، ويعيش بحضورها، هيهات هيهات أن يكون ذلك.
وقوله: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].
أي: هذا وعد الله قد ظهر وتم من الحياة الثانية، ومن البعث والنشور بعد الموت، فها نحن قد بُعثنا وقمنا من قبورنا.
قوله: ((وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)) أي: صدق الأنبياء الذين أرسلهم الله بهذا، وأن هناك حياة ثانية دائمة لا موت فيها، فمن كان في النار فإلى أبد الآباد، ومن كان في الجنة فإلى أبد الآباد، هذا الذي وعد الرحمن ووعد الله جل جلاله.
فقوله: ((وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)) أي: الذين جاءونا بهذا وبلغونا إياه.


الصفحة التالية
Icon