تفسير قوله تعالى: (قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا)
سألني فاضل من الحضور عن معنى قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].
فقوله: (قَالُوا) أي: قال هؤلاء الكافرون عندما بعثوا وكانوا ينكرون البعث: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) أي: من أيقظنا ومن أعادنا؟ ومن أوجدنا وأحيانا؟ وهم كانوا ينكرون أن تكون هناك عودة ورجعة وحياة بعد الدنيا، وبعد موتهم.
وقوله: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ): قال الجمهور: أي: أخذ بعضهم يجيب بعضاً وهم يتساءلون ويقول بعضهم لبعض: يا ولينا من بعثنا وأحيانا بعد هذا الرقود الطويل والموت الطويل، فيجيب بعضهم بعضاً: هذا ما وعد الرحمن! فهم تذكروا أن أنبياءهم نزلت بكتب من الله جل جلاله، وأن الإيمان باليوم الآخر والإيمان بالبعث عقيدة من العقائد، فمن أنكرها أنكر الإسلام وأنكر الدين وأنكر الأنبياء والكتب.
وقوله: (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) اعترفوا حينئذٍ ولن يفيدهم اعترافهم، كما قال ربنا: ﴿لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: ١٥٨]، فهم اعترفوا بعد فوات الأوان.
وقال بعض المفسرين: الذي قال ذلك هم المؤمنون، قالوا لهم مقرعين موبخين: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) أي: هذا الذي كان يتلى عليكم حال الحياة في الكتب المنزلة على أنبيائكم، وكنتم تنكرون ذلك.
وقيل: قالت ذلك الملائكة زيادة في الحسرة والألم والإيجاع؛ قالوا لهم: هذا ما أنكرتموه ووعدكم الرحمن به، وصدق المرسلون الذين نطقوا بهذا عن الله.
ولكن الجمهور من مفسري الآية قالوا: هم قالوا ذلك؛ لأنهم عندما بعثوا، رجعت لهم ذكراهم وعقولهم، وأن هذا الذي كانوا ينكرونه سبق أن وعدوا به في حال الحياة، وقال لهم الأنبياء منذ آدم إلى نبينا: إن الإيمان بالبعث والنشور حق، وإن من لم يؤمن بذلك كان كافراً لا محالة، فهم كانوا يتساءون: كيف نعيش بعد أن نصير رمماً وتراباً وبعد أن نفنى؟ كيف نعود للحياة ثانية، وتعود إلينا أجسادنا وعقولنا؟ فهم ماتوا على الإنكار ثم بعثوا، فعندما بعثوا تذكروا أن هذا هو الذي كانوا ينكرونه، فأخذ يقول بعضهم لبعض زيادة في الحسرة والألم والندم: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).
إذ ذاك تحققوا من وعد الرحمن، وأنه كائن لا محالة، وتأكدوا من صدق المرسلين، ولكن هذا الاعتراف لن يفيد، بل الروح ما دامت في الجسد قبل أن تصل الغرغرة تفيدها التوبة إلى الله، أما إذا وصلت الروح إلى الحلقوم، ورأى ملائكة الموت، لم ينفعه ذلك.


الصفحة التالية
Icon