تفسير قوله تعالى: (إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون)
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ﴾ [يس: ٥٥ - ٥٧].
الله جل جلاله كما يقرن المؤمن بالكافر، يقرن الكافر بالمؤمن في الكلام، فيبشر المؤمنين بما أعد لهم في الجنات، وينذر الكافرين بما أعد لهم في النيران والجحيم.
ومضى الكلام على أولئك الجاهلين الكافرين، والآن نتكلم في بيان حال أهل الجنة، فقال ربنا جل جلاله: ﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ [يس: ٥٥].
أي: إن سكانها وأهلها المقيمين فيها هم في شُغُل.
وقرئ: (شُغْل فاكهون)، أي: مسرورون ومشغولون بالنعيم المقيم الدائم مما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم تشته نفس، لهم فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وفيها من كل فاكهة زوجان، وهم فيها أبد الآباد ودهر الداهرين لا يملون.
وأما الكفار الجاحدون الذين كانوا في دار الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، وكانوا يشركون بربهم، فها هم اليوم في العذاب المقيم.
وقوله: (هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ).
أي: هؤلاء المؤمنون يسكنون الجنة هم وأزواجهم ممن كن على طريقتهم ديناً وإسلاماً وطاعة وإيماناً.
وقوله: (فِي ظِلالٍ).
الظلال: جمع ظلة، ويوم القيامة لا شمس ولا حر ولا قر، والظلال هناك أشبه بالصباح قبل أن تشرق الشمس، وأشبه بالعشي حينما تصير الشمس على رءوس الجبال والتلال، هكذا وصف الجنة، لا حر ولا قر، ليس فيها شمس، وإنما هم في الظلال الدائم المستمر.
وقوله: (عَلَى الأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ).
الأرائك: جمع أريكة، والأريكة السرير إذا كان عليه ظلته وحجلته، تلك التي ترى في السرير من فوق، فهم على الأرائك والسرر في غاية ما يكونون من النعيم، وفي غاية ما يكونون من اللذة والتمتع مع الحور العين، وهناك ولدان يخدمونهم كأنهم اللؤلؤ المكنون، وهم دائمون في هذا النعيم.
وقوله: (لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ) أي: لهم فيها من أنواع الفواكه مما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان، فيها من جميع ما تشتهيه النفس، وتلذ العين مما أكرمهم الله به.
والأمر كما قال عبد الله بن عباس: كل ما ذكر في الآخرة من النعيم ليس منه في الدنيا إلا الأسماء، وما عدا ذلك الله أعلم بحقيقته، ولكنه مع ذلك فيه لذة تتمتع بها جميع حواس الإنسان جسداً وروحاً، ولكن تلك اللذائذ وتلك المتع وذلك النعيم المقيم ليس مما في الدنيا شيء يشبهه.
وأتم النعم وأتم اللذائذ رؤية وجه الله الكريم جل جلاله، فهم على السرر متكئون، لهم مساند يستندون عليها من الحرير والديباج الذي يكون في الجنة لمن لم يلبس الحرير في الدنيا، هم متكئون على سرر، وهم في نعيم دائم، وهم في ظلال لا حر فيها ولا قر، ولم يتفرغوا لمكالمة أهل النار ولجوابهم لما هم فيه.
وقوله: (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) أي: لهم فيها ما يدعونه وما يطلبونه مما يخطر ببالهم، فهو يحضر في الحين، ولا يرد لهم طلب، حتى إن الشجرة المثمرة المثقلة بأنواع الفواكه، إذا اشتهاها ساكن الجنة إذا بها تتدلى إليه، يأخذ منها بغيته وغايته ورغبته، وإذا اشتهى أكل الطير تجده يقع بين يديه مطبوخاً مشوياً على الطريقة التي يريد، وهكذا بقية اللحوم، وكذلك الفواكه وبقية اللذائذ مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.