تفسير قوله تعالى: (سلام قولاً من رب رحيم)
قال الله تعالى: ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس: ٥٨].
أي: يسلم عليهم الله جل جلاله، وفي الحديث النبوي الثابت في مسلم: (أن الله يتجلى على سكان الجنة بنور يكاد يخطف الأبصار، فيقول لهم: هل تريدون شيئاً؟ هل تطلبون شيئاً؟ هل أزيدكم؟ فيقولون: يا رب قد رضيت علينا وأعطيتنا من كل ما نتمناه، ومن كل ما يخطر في بالنا، فماذا عسى أن نزداد؟ قال: أريكم وجهي، وإذا بالله الكريم يتجلى لهم فيرونه، فيكون ألذ شيء لهم في الآخرة).
فرؤية الله ألذ من الطعام والشراب واللباس والحور العين وكل ما في الجنة، وتلك هي اللذة الروحية التي إذا حصلت لهم داموا في لذتها وداموا في نعيمها، وعندما أخبر عليه الصلاة والسلام أصحابه أنهم سيرون ربهم، قالوا له: (يا رسول الله! كيف نرى ربنا وهو واحد ونحن كثير؟ قال: كما ترون القمر لا تضاهون فيه)، القمر نراه واحداً، ونحن نعد بملايين، بل نعد بالمليارات مع كونه واحداً ونراه جميعاً ولله المثل الأعلى.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضارون في ذلك) وقد قال ربنا جل جلاله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وجوه ترى عليها نضرة النعيم والعافية والنعمة والسرور والبهجة، وفي هذه الحال هي إلى ربها ناظرة، تنظره بأبصارها، وكيفية هذا النظر لا يعلمه إلا الله، وكل ما يخطر ببال فربنا مخالف لذلك، لا يشبهه أحد من خلقه، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٤]، وما قال ربنا كائن لا محالة، وما أخبر به نبينا كائن لا محالة؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
وقد قال قوم من شراح الآية: تقول الملائكة وهي تستقبل أهل الجنة عند الدخول: سلام عليكم من ربكم، وليس هناك تعارض ولا تناقض، فالله جل جلاله يسلم عليهم إكراماً لهم ورضاً عنهم، ومع ذلك فالملائكة يسلمون عليهم من ربهم، ويبشرونهم بأنه طابت حياتهم.
فقوله: (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) أي: ربنا الخالق الرازق الرحيم بعباده، من استرحمه رحمه، ومن استغفره غفر له، وهكذا أهل الجنة يكونون في رحمات من الله متتالية متتابعة، وفي رضاً من الله دائماً أبدياً.
هذه صفة أهل الجنة.