تفسير قوله تعالى: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم)
قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يس: ٦٥].
فقوله: (الْيَوْمَ) أي: يوم القيامة، يوم العرض على الله.
جاء في الحديث: (أن النبي ﷺ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال لأصحابه: أتدرون لم ضحكت؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من أناس يجادلون ربهم، فقد حل عليهم القول) هؤلاء جادلوا ربهم عندما حوسبوا، وعندما عرضوا عليه، وقيل لهم: كفرتم وأشركتم وآذيتم وأفسدتم وصنعتم وصنعتم؛ فأخذوا يقسمون: عشنا مطيعين، عشنا مؤمنين، لم نشرك قط، وأخذوا يقولون: إنك يا ربنا حرمت الظلم، فقال لهم: من تريدون أن يشهد عليكم؟ فأشهد عليهم أنفسهم، فقد ختم على أفواههم، واستشهد الأيدي والأرجل والجلود والأفخاذ، وقال لها: ما صنع صاحبكن؟ فيقلن: كذب وافترى، وأشرك وكفر وعصى وزنى وسرق وفعل وفعل، وهو لا يجيب، ثم يطلق الله لسانه، فيقول ليديه ولرجليه: بئست شهادتكن أشهدتن علي، وما كنت أنافح إلا عنكن؟ فقلن: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء.
وهكذا يقول ربنا هنا: (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ).
أي: يختم على أفواههم فتغلق، فلا يستطيعون الكلام بعد أن شهدوا زوراً على أنفسهم، وكذبوا الملائكة الذين كتبوا عنهم ما كتبوا، وكفى بالكرام الكاتبين عليكم شهوداً، وكفى بأنفسكم عليكم اليوم شهيداً، وإذا بالأيدي والأرجل تتكلم، وإذا بالجلود تتكلم، والله يعيد لهذا المجرم كلامه ولسانه، فيذهب يخاصم نفسه بنفسه، كالمجنون عندما يضرب خده وجسده وأعضاءه بيديه ورجليه، لم شهدتن علي وعنكن كنت أناضل؟! وقوله: (أَفْوَاهِهِمْ) مفرد فم، والكلمة لا تكون إلا بالإضافة.
أي: إلا باتصالها بالهاء مثل: فوه، وفاه.
وقوله: (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ) أي: بالشهادة عليهم وتكذيبهم.
وقوله: (وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) أول ما يشهد من ذلك الفخذ اليسرى كما في صحيح مسلم، لأن هذه الأفخاذ تكتب للسوء وتكبت للفاحشة، فتكون أول شاهد على صاحبها.
وقوله: (بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) أي: بما كسبوا حال حياتهم، وبما ارتكبوا من موبقات وإجرام، وبما استحقوا أن يقال عنهم: إنهم المجرمون كما خاطبهم الله أو خاطبتهم ملائكة الرحمن بذلك.


الصفحة التالية
Icon