مكانة القرآن ووجوب التحاكم إليه
قوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس: ٦٩].
أي: أن الذي ينطق به محمد صلى الله عليه وعلى آله ذكر وتذكير للناس، ليذكروا الله، ويذكروا المقصود من وجودهم، وإلى أين هم ذاهبون؟ وماذا بعد الموت؟ ليعودوا إلى الله مؤمنين موحدين، ويعلموا بأن الله قد قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وأن الدنيا قنطرة الآخرة، فمن نجح هنا هناك ينجح، ومن رسب هنا سيكون رسوبه هناك، فمن آمن وبقي على إيمانه إلى لقاء الله، كانت الدنيا له دار سعادة، ومن عاش كافراً إلى أن يلقى الله كانت الدنيا له دار شقاء.
وقوله: (وقرآن مبين): أي: أن الذي دعا إليه الناس هو القرآن، وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فقد جاء ﷺ منذراً ومبشراً وداعياً بهذا القرآن، وهو دستور المسلمين ودستور الكون، فمن آمن به فنفسه خدم، وإياها أحسن، ومن خرج عنه فنفسه أضر، وعلى نفسها تكون قد جنت براقش.
وقوله: (مُبِينٌ) أي: بينٌ ظاهرٌ مفهوم معلوم، فيه الحلال والحرام، وفيه قصص الأولين والآخرين، وفيه أنباء الأنبياء والأمم قبلنا، وفيه خلقة الإنسان وخلق الدنيا وأين المآل، وصفة الجنة والنار، والآداب والرقائق، والحدود والأحكام.
هو كتاب الإسلام، هو عقيدة، هو نظام، هو دولة، دعا للتثبت في العقائد والرسوخ عليها، دعا لقيام نظم الإسلام في الدولة، وفي المعارك، وفي المعاملات، وفي المحاكم، بينك وبين الخصم، بينك وبين أحبابك، بينك وبين أعدائك وقت السلام ووقت الحرب.
هو دولة يدعو إلى قيام الدولة؛ ليكون الإسلام ديناً ودنيا، فالأحكام والحدود التي وردت فيه، والأوامر والنواهي من سيقوم بها؟ فإذا ذهب من يقوم بها سيقوم من الضالين المضلين ممن يتحكمون بمصير رقابنا، فيقول كما يقول أهل الكفر: الدين لله والوطن للجميع، وما لقيصر لقيصر وما لله لله، ويكون بذلك قد خرج عن الإسلام، فإذا قال: لا نقبل قرآناً في الدولة، والإسلام يجب أن يبقى في المسجد، وما عدا ذلك لا وجود له، فمن قال ذلك ودعا إليه يكون كافراً حلال الدم، مرتداً خارجاً عن الإسلام، مهما كان ذكره، ومهما كان اسمه، ومهما كان مكانه.