تفسير قوله تعالى: (اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود)
قال الله جل جلاله: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧].
لا نزال في سورة (ص) مع داود عليه السلام، ومع نبينا عليه الصلاة والسلام وهو يدعو قومه والناس أجمعين إلى عبادة الله الواحد، وترك الأصنام والأوثان والشركاء من غير الله، فقال الله له: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [ص: ١٧].
يسليه جل جلاله ويعزيه بعد أن قص علينا قصص أولئك الكافرين الجاحدين من تكذيبهم له، ومن صدهم لرسالته، وحربهم لدينه، ومقاومتهم لأتباعه، وكفرهم بالله صباح مساء، ولكن الله أنكر عليهم وهددهم بما صنع بالأمم السابقين، ثم وعد نبيه وصبره فقال: ﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [ص: ١٧] أي: اصبر يا محمد! فإن لك أجراً عندما تدعوهم إلى الله.
﴿اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ [ص: ١٧] أي: من تكذيبك، وعدم الإيمان بك.
﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧].
ثم أخذ يذكر له قصص الأنبياء من إخوانه السابقين وآبائه كقصة داود وسليمان وأبيه الأعلى إبراهيم وإسماعيل وبقية أنبياء بني إسرائيل، وما حصل لهم من المشركين الكافرين ممن لم يقبل رسالتهم ودعوتهم فقال له: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ﴾ [ص: ١٧] أي: تذكر داود وما أُملي عليك فيه فيما سبق من سور وآي.
قوله: ﴿عَبْدَنَا دَاوُدَ﴾ [ص: ١٧] ونسبة عبوديته إلى الله فيها تشريف لداود، وداود هو أبو سليمان، وهو أحد كبار الأنبياء من بني إسرائيل، وكبار قومه بما أعطاه الله من معجزات وكرامات، وهي مفصّلة في سورة الأنبياء، وهنا يذكر الله عنه قصة فيها عبرة.
قوله: ﴿ذَا الأَيْدِ﴾ [ص: ١٧].
أي: صاحب الأيد، والأيد: القوة.
قوله: ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧] أي: رجّاع لله، ورجّاع للحق.
و (آب) أي رجع، والأواب: كثير الرجوع، أي: كثير الرجوع إلى الله في عبادته وطاعته وأعماله، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحاح: (أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، فقد كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) أي: كان يوزّع أيامه يوماً للعبادة ويوماً للقضاء والفصل بين المتخاصمين، ويوماً لشئونه الخاصة ونسائه.


الصفحة التالية
Icon