تفسير قوله تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً)
قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧].
يقول ربنا: هؤلاء الكفرة الجاحدون الذين يقولون إنما هي أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكهم إلا الدهر، هؤلاء يظنون أن الحياة الدنيا كانت باطلة، فخلقت السماء باطلاً بلا معنى، ولا حكمة، وكذلك الأرض، وكذلك ما بين السماء والأرض من كواكب سيارات وثوابت، ومن خلق لله الله أعلم بحقيقته، الله لم يخلق الأرض باطلاً، ولم يخلقها بلا حكمة، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أي: إلا ليعبدوا الله، وليعرفوا الله، ولتكون الدنيا البرزخ والسبب والطريق الموصل إلى الله يوم القيامة، إما إلى جنة، وإما إلى نار، فلم تخلق الدنيا هباءً ولا باطلاً، ولم تكن الدنيا لضلال ضال، وفساد فاسد، وإنما كانت دار فتنة وبلاء واختبار، كانت مدرسة إما أن ينجح من ينجح، وسعادته بيده، وإما أن يرسب من يرسب، ولا سعادة، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
أما أن يكونوا قد خلقوا وأوجدوا عبثاً وباطلاً؛ ليظلم من يظلم، ويتجبر من يتجبر، ويظلم الضعيف ويؤخذ حقه، ويذهب ذلك هدراً هيهات هيهات! أعدل العادلين جل جلاله الحكم العدل لا يقبل ذلك.
قال تعالى: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا) فالظلم قد حرمه الله جل جلاله على نفسه، فكيف يقبله من غيره؟! فكانت الدنيا اختباراً وابتلاءً، وكانت مدرسة ليعلم المطيع من المخالف، والمؤمن من الكافر؟ فللكافر النار، وللمؤمن الجنة.
قوله: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [ص: ٢٧] أي: الذين لا يزدادون إلا فساداً وظلماً وبغياً وطغياناً، وهم يظنون أنهم سيفلتون من عدالة الله وحكمه، وأن الدنيا لم تخلق إلا باطلاً هيهات هيهات ذلك ظنهم الذي أرداهم! ذلك ظن الذين كفروا بالله واحداً وخالقاً.
قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧].
أي: فيا ويل هؤلاء الكافرين الجاحدين المشركين من النار وعذابها! فهؤلاء لهم يوم يحاسبون فيه ويدقق حسابهم، ويدخلون النار خالدين مخلدين أبد الآباد.