تفسير قوله تعالى: (وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً)
قال تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَاتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٢ - ٦٤].
دخل الأتباع والمتبعون النار فالتفتوا يميناً وشمالاً لعلهم يرون رجالاً كانوا يهزءون بهم في الدنيا فسألوا عنهم: ﴿وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٢ - ٦٣]، فقد كان الكفار يستهزئون بالمؤمنين الصالحين في دار الدنيا، ويسخرون منهم، ويحقرونهم فيقولون عنهم: رجعيون، متخلفون، فيقولون: أين هؤلاء؟ لِمَ لم نرهم؟ فقد كنا نهزأ بهم وبأحوالهم؟ ألم يوجدوا معنا أو وجدوا ولكن زاغت عنهم الأبصار؟ أي: مالت عنهم.
ولكن هؤلاء هم بدورهم في الجنة، يبحثون عنهم، ويقولون لهم: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤] وهكذا قيل لـ أبي جهل عندما دخل النار: أين بلال وصهيب؟ وأين من كان يهزأ بهم من مساكين الصحابة وفقرائهم؟ فإنهم في أعلى عليين مع محمد وصحبه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله على أصحابه أجمعين، فكل كافر في النار كان في دنياه يهزأ بالصالحين، وعندما يدخل النار سيبحث عن أولئك الذين كان يهزأ بهم في دار الدنيا ولم يرهم في جهنم، فيقول لنفسه: هل زاغ بصري ومال عنهم.
وقوله تعالى: ﴿كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ﴾ [ص: ٦٢]، أي: كنا نعدهم شريرين ضالين مغرورين.
وقوله: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣]، هل عندما كنا هزأنا بهم كنا ظالمين ضالين لا نعلم الحق من الباطل؟ أم زاغت أبصارنا ومالت عنهم فلم ترهم.
ويقول ربنا: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾ [ص: ٦٤].
يخبرنا جل جلاله بأن خصومة أهل النار هي حق، فيلعن الإمام المؤتم، والصغير الكبير، والمتبوع التابع، والتابع المتبوع، فهم يتخاصمون ويتنازعون وهم مع ذلك في عذاب خالد دائم.