تفسير قوله تعالى: (قال يا إبليس ما منعك)
قال تعالى: ﴿قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ [ص: ٧٥].
أي: يا إبليس لِمَ لم تسجد لهذا الذي خلقته بيدي، وقد أمرتك مع الملائكة بالسجود له، هل استكبرت وتعاليت في نفسك، وظننت لنفسك ميزة واعتباراً، أم وجدت نفسك أعلى مقاماً، وأرفع نسباً، وأفضل خلقاً؟ فيجيب إبليس بكل سفه مبيناً سبب استكباره واستعلائه: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [ص: ٧٦].
فأخطأ وزل مرتين، مرة في كبريائه وتعاظمه، ومرة في ظنه: أن النار خير من الطين، وهيهات هيهات! ولولا الطين ما زرع حب ولا نبت شجر ولما عاش مخلوق، أما النار فلا تقبل نباتاً ولا زرعاً ولا خيراً، وإن كانت لها مصالحها؛ ولكن مع ذلك فإن التراب والأرض والطين أكثر وأعم نفعاً.
قال تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص: ٧٧].
طرده الله من رحمته، وأخرجه من جنته وأبعده عن ملائكته، وقال له: ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص: ٧٧] أي: مرجوم وملعون، ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [ص: ٧٨]، فهو ملعون مطرود عن رحمة الله إلى يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص: ٧٩].
عندما لعنه الله لعنة دائمة مستمرة إلى يوم الدين، طمع أن يبقى حياً إلى ذلك اليوم فقال: ﴿رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [ص: ٧٩].
أي: أرجعني وأخرني في موتي إلى يوم البعث والنشور.
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [ص: ٨٠ - ٨١].
فأنظره الله وأجله وأخره ليبتلي به من يبتليه، ويختبر به من يختبر، ليكون إيمان المؤمن عن ثبات ويقين بعد الابتلاء والفتنة قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢]، والفتنة تكون بالشيطان بإغوائه ووساوسه، وكذلك في البرزخ لامتحان إيمان المؤمن.
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ﴾ [ص: ٧٩ - ٨٠] أي: المؤجلين، المؤخرين، ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [ص: ٨١] أي: يوم القيامة يوم البعث يوم النشور يوم الحياة الثانية، فطمع الشيطان فقال: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٢ - ٨٣].
فإذا الشيطان زاد طغياناً وإغواء لبني آدم لأن آدم كان سبب شقائه وبلائه ولعنته وطرده من الجنة ومن رحمة الله، ورأى أن هذه المدة إلى يوم القيامة طويلة يستطيع فيها الإغواء والإفساد.
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ﴾ [ص: ٨٢] طلب الله بعزته وجلاله وبمقامه، أي: أسألك وأتوسل إليك بعزتك ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٢] أي: لأدعو جميع البشر إلى الغواية والضلال والعصيان والمخالفة والشرك والكفر وفساد الطاعة وغير ذلك.
﴿إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٣] إلا من أخلصوا لعبادتك، ممن أخلصتهم برحمتك وتوفيقك، وأبعدتهم عن وساوسي وإغوائي.


الصفحة التالية
Icon