تفسير قوله تعالى: (فاستفتهم أهم أشد خلقاً)
يقول تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ [الصافات: ١١] يقول ربنا: (استفتهم) أي: يا محمد! استفت هؤلاء الكافرين من أدركوا حياة النبي عليه الصلاة والسلام، ومن جاءوا بعده إلى يوم الدين، فالقرآن يخاطبهم دوماً، والسنة تبين ذلك وتخاطبهم دوماً كذلك، اسألهم: (أهم أشد خلقاً أم من خلقنا) أي: أهم أشد خلقاً من الأمم السابقة، من الأمم التي كان لها من السلطان ومن القوة ومن الحضارة ومن شديد البأس، ومن شديد السلطان.
ومع ذلك عندما كفروا بالله عاقبهم أشد عقاب، بين غريق ومصعوق ومرجوم من السماء، وبين ممسوخ قرداً أو خنزيراً، وبين ممسوخ حجارة أو جماداً، وهكذا شرد أقواماً وعذبهم ونكل بهم، يقول لهؤلاء الكافرين: أنتم أتظنون أنفسكم أعظم خلقاً وأقوى سلطاناً وأشد بأساً ممن مضى.
فالله ينذرهم ويتوعدهم إن لم يعودوا إلى الإيمان، فالإيمان بالله وبرسوله خاتم الأنبياء أنه يصنع بهم ما صنعه بالأمم السابقة وقد فعل، من آمن فالإسلام يجب ما قبله، ومن لم يؤمن ذهب بين قتيل وشريد ومأسور وهكذا وإلى أبد الآباد ما دامت الدنيا وإلى يوم النفخ في الصور.
كل هؤلاء الذين كفروا بربهم أين هم؟ أين فارس؟ أين الروم؟ وقل كذلك عن أمم سابقة فستلحقها الأمم اللاحقة أمريكا وروسيا وأمثالهما من دول الكفر ودول الشرك على كفرهم بالله ووثنيتهم بعبادة من دون الله، من عبد مريم، ومن عبد العزير، ومن عبد السماء والطبيعة، ومن عبد الإنسان وشخصه.
فكلهم كانوا مردة خارجين عن أمر الله وعن طاعة رسول الله، كلهم كفروا بكتاب الله، فالقرآن ينذر الأولين وينذر الحاضرين، وينذر اللاحقين: أن من فعل ما فعله الكفار الذين كفروا من قبل فسيعاقبون بمثل عقابهم، وهذا معنى هذه الآية الكريمة.
فاستفتهم يا محمد! خذ فتواهم، خذ رأيهم، سلهم: أأمنوا مكر الله؟ أأمنوا عذاب الله؟ فالله يمهل ولا يهمل.
وفسرت الآية: (فاستفتهم أهم أشد خلقنا) أي: أم من خلقنا من السماوات والأرض)، فإن السماوات أعظم كياناً، أعظم جرماً، أعظم بما فيها من أنجم وكواكب لا يحصيها إلا الله، من سماوات وما فوق السماء، بين كل سماء وسماء كما بين الأرض والسماء، والأرض كذلك، فهل هم أعظم جرماً من تلك أو أقوى طبيعة منها؟ ومع ذلك فسيأتي اليوم الذي لا تبقى فيه سماء ولا أرض، ولا يبقى حي على وجه الأرض: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧].
قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ﴾ [الصافات: ١١] أي: لاصق يعلق باليد إذا أمسكته، قيل: هذه طينة لا تكاد تمسها يد إلا وعلقت بها، أو علقت بثوبه، فالله خلق هذا الإنسان المتعالي بنفسه، المتكبر على الله، الذي يأبى الإسلام ويأبى الخضوع.