تفسير قوله تعالى: (إنكم لذائقو العذاب الأليم)
قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٣٨ - ٣٩]، جزاءً وفاقاً في شركهم وكفرهم، وسفههم على رسول الله، وجحودهم الله ووحدانيته وقدرته جل جلاله، يقول الله لهم: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ﴾ [الصافات: ٣٨]، يذوقونه، يعذبون العذاب الأليم في نار جهنم، تسعر عليهم تسعيراً، لا يموتون فيستريحون، ولا يعيشون فيطمئنون، فهم في عذاب دائم مقيم، كلما نجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، دائمون في العذاب، في اللعنة والغضب والسخط: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا﴾ [الصافات: ٣٨] أي: ممسوسون، محترقون، داخلون إلى جهنم، إلى العذاب المهين، إلى العذاب الأليم.
﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٣٩]، أي: وما كان العذاب الأليم وما كانت اللعنة الدائمة إلا جزاءً وفاقاً لأعمالهم السيئة، لشركهم، لكفرهم بالله، لتكذيبهم الأنبياء، كذلك جزاء كل كافر، كل من قل الأدب مع النبوات والرسالات، وكل من يقول ما لا يقال في الذات العلية جل جلاله وعلا مقامه: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٣٨ - ٤٠]، جعلنا الله من هؤلاء الذين لا يعذبون، ولا يجزون على الشرك؛ لأنهم موحدون، هؤلاء العباد المخلصون، قرئ: المخلصون، والمخلصون، فقد أخلصهم الله لعبادته وطاعته، وأزال عنهم شوائب الشرك وشوائب الذنوب والمعاصي، فأخلصوا له، مخلصون: أي أخلصوا عبادتهم لله ولم يشركوا معه أحداً، ولم يراءوا ولم يسمعوا، بل كانت عبادتهم لله الواحد، خالصة له، لا يطلبون جزاء من إنسان أو دنيا، بل من الله في الدنيا والآخرة.
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٤٠]، من هم هؤلاء المخلصون؟ أخذ الله جل جلاله يصفهم لنا، لكي لا تضيع المعاني بين الناس، ولكي لا يقول كل إنسان ما بدا له محرفاً للكلم عن مواضعه، من هم هؤلاء المخلصون؟


الصفحة التالية
Icon