تفسير قوله تعالى: (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)
قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [الصافات: ٥٠].
كما يتساءل أهل النار وهم في حسرة وآلام وأوجاع متتابعة على ما فات منهم، وكيف عاشوا دهراً طويلاً وهم لم يقولوا يوماً: لا إله إلا الله، أما أهل الجنة فيقبل بعضهم على بعض، ويواجه بعضهم بعضاً، ويذكرون ذكريات الدنيا، وهم في غاية ما يكونون من السرور والبهجة والرضا بما أعطاهم الله وأكرمهم به، ويتساءلون فيما بينهم، فيقول بعضهم: ما تركت الصلاة، ويقول الآخر: تبت إلى الله فتاب علي.
قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥٠ - ٥١]، أجمل الله هنا ثم فصل فقال: ﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٢ - ٥٣].
يقول ذلك وهو فرح مسرور أن قرين السوء لم يضحك عليه، ولم يذهب بعقله، قال قائل من هؤلاء: ﴿إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ﴾ [الصافات: ٥١] أي: في دار الدنيا.
قرين: صديق وشريك، إنسان يعاملني وأعامله، يعرفني وأعرفه، ولكنه لم يكن مؤمناً بالله موحداً كان يقول لي فيما يقول: ﴿يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ﴾ [الصافات: ٥٢]، يقول هذا الذي في الجنة: أأنت تصدقه؟ ويقول: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣] أي: هل تصدق هذا القول: أننا إذا متنا وأصبحنا تراباً وعظاماً نخرة لا تكاد تختلف عن التراب وعن بقية الحجارة في الأرض: ﴿أَئِنَّا لَمَدِينُونَ﴾ [الصافات: ٥٣]، وفي القول العربي: دان فلان فلاناً إذا جازاه، وإذا آخذه، وإذا حمله المسئولية أي: أئنا محاسبون ومجزيون ومعاقبون على أقوالنا وأعمالنا.
كما يقولون الآن: أنت رجعي تؤمن أننا سنحيا بعد الموت، إن هي إلا حياتنا الدنيا، كما وصف الله آباءهم وأجدادهم بقولهم: ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ [الجاثية: ٢٤]، وهؤلاء الذين يسمون: الدهريين، وهؤلاء الذين يقولون: إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، ولا يهلكنا إلا الدهر، يقولون هذا وهم غافلون عن الله، وعن رسالات الله، وعن ما جاء به أنبياء الله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
ثم يقول تعالى عن هذا المتسائل: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات: ٥٤]، يقول هذا السائل: أتريدون أن تطلعوا على النار، لعلنا نلقى هذا الذي كان يحاول ضلالي في دار الدنيا، وكيف يطلعون؟ قال ابن عباس: إن في الجنة نوافذ يمكن أن يرى منها أهل النار وما هم عليه إن شاء ذلك أهل الجنة.
ولذلك قال: ﴿قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ﴾ [الصافات: ٥٤] أي: قال هذا المتسائل ﴿فَاطَّلَعَ﴾ [الصافات: ٥٥] أشرف على النافذة ونظر إلى أن رآه، ﴿َفِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥]، أي: وسط الجحيم، ولماذا يقال للوسط سواء؟؛ لأنه مستو مع جميع الأطراف.
يقص علينا ربنا ماذا يكون في الآخرة بين أهل النار وأهل النعيم، بين سكان الجنة وسكان جهنم، بين من مات على التوحيد ومن مات على الشرك والكفر بالله، ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥].


الصفحة التالية
Icon