تفسير قوله تعالى: (ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٧١ - ٧٤].
يقول جل جلاله: بأن هؤلاء الذين كفروا وجحدوا من الأولين قد ضل أكثرهم، وجحد أكثرهم، وخرج عن الدين والحق أكثرهم، فكفروا بالله، وبرسل الله، وبكتب الله إلا قليلاً من هؤلاء، ويقول الله جل جلاله: وهؤلاء ضلوا مع ما أرسلنا إليهم من رسل منذرين مهددين متوعدين: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ﴾ [الصافات: ٧٢] أي: إن هؤلاء هم أكثر الأمم السابقة والشعوب القديمة كانوا على الكفر والضلال والشرك، وهؤلاء اتبعوا الأكثرية التي هي على باطل، والتي حاول الناس اليوم دفاعاً عن اليهود والنصارى أن يقولوا: نحن نتبع الأكثرية، ونعتمد على الأكثرية، ونعقد برلمانات وندوات فيقال لهم: أتريدون أن تحكم الدولة بالشريعة الإسلامية؟ فيقولون: إذا قالت الأكثرية من هؤلاء الرعاع في البرلمانات: لا، فلا، فيتركون دينهم وشريعتهم وإيمانهم، ويتبعون الأكثرية الضالة المضلة، والتي قال الله عنها جل جلاله: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ﴾ [الصافات: ٧١].
وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦]، فليست على ذلك بينة من الحق، ولا برهان ولا دليل، وإنما هي نظم يهودية؛ لأنهم الأقلية في الأرض، فأرادوا بها أن يتسلطوا بإضلال الناس، وبتكفير الناس، فاتخذوا لهم مساند من الشيوعية، والماسونية والراديكالية، والوجودية، والبهائية وما إلى ذلك من أنواع الكفر والضلال، وأحزاب الشيطان، فهم يكذبون على الناس ويقولون: أنتم مع الأكثرية، مع أنهم ضالون عن الطريق كافرون بالله كما يقول الله جل جلاله: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ﴾ [الصافات: ٧١]، فكما ضل الأولون تبعهم هؤلاء تقليداً للآباء بلا دليل من الله، ولا سلطان، ولا منطق من عقل، ولا نص أبداً.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ﴾ [الصافات: ٧١ - ٧٢].
يقول ربنا جل جلاله: قد ضل هؤلاء مع أنه أرسل إليهم أنبياء تأمرهم بطاعة الله وتوحيده، والإيمان بالبعث يوم القيامة، وبالحساب والعقاب، وبالجنة والنار، وبرسل الله وكتب الله وما جاء عن الله، وتوعدوهم وتهددوهم، ومع ذلك أبوا إلا الضلال والكفران، فعاشوا كافرين، وهلكوا كافرين، واتبعوا أكثر الناس ضلالاً.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٢ - ٧٣].
فانظر يا محمد! وأتباعك ممن آمن بك! كيف كانت عاقبة هذه الأكثرية، فقد قص علينا ما صنع بقوم نوح من الغرق والذهاب والطوفان الذي طاف عليهم وأغرقهم، فلم ينج منهم إلا قليل، وكأن القليل هؤلاء هم الذين آمنوا بنوح عليه السلام، وما صنع بقوم لوط عندما رجمهم من السماء، وما صنع بقوم صالح عندما عصوه وخرجوا عن أمره، وقتلوا الناقة التي صلبوها وكانت معجزة نبيه، كيف صعقهم الله بصيحة تركتهم جمادات لا تنطق، وكيف أغرق فرعون وهامان ومن معهما من الذين كفروا بالنبيين الكريمين موسى وهارون، وما صنع بالماضي من الغرق ومن الحرق، ومن الصرع ومن الرجم ومن عذاب الله لهم، هذا في دنياهم ولعذاب الله يوم القيامة أشد وأنكى.
فالله يشهر بذلك، ويلفت أنظارنا له لنتخذ من ذلك عبرة كي لا نعمل بعملهم ولا نعاقب بعقوبتهم بعد ذلك.
﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الصافات: ٧٣].
كانت وبالاً، كانت دماراً، كانت هلاكاً، كانت لعنة وغضباً من الله، يقول ربنا: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ٤٠].
إلا العباد الذين أخلصهم الله لطاعته وعبادته، وصفاهم من الشرك والمخالفة والكفر والعصيان، وقرئ: (مخلصين) الذين أخلصوا دينهم لله، فعبدوا الله وحده، ووحدوه ولم يشركوا به، وآمنوا بالله، وكتاب الله، ورسول الله، واليوم الآخر، والعرض على الله إلى جنة أو إلى نار، هؤلاء استثناهم من غضبه، واستثناهم من لعنته، واستثناهم مما صنع بالآخرين، وهكذا عندما أرسل الطوفان على قوم نوح أنجى في السفينة الذين آمنوا مع نوح، وما آمن معه إلا قليل.