تفسير قوله تعالى: (فأقبلوا إليه يزفون)
قال تعالى: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات: ٩٤].
وكانوا قد تساءلوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ وإذا بأحد يقول لهم: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] كما في سورة الأنبياء، أي: يذكرهم بسوء، فذهبوا إلى إبراهيم وأقبلوا إليه يزفون أي: يسرعون، ومنه الزفاف: الإسراع في زفاف البنت إلى الزوج، فأقبلوا إليه يسرعون، أقبلوا إليه مهرولين، وهم ذاهبون عقلاً؛ لأن آلهتهم أهينت وهم يعبدونها.
وقرئ: (يُزِفُّون) والمعنى واحد من الزفاف: وهي السرعة والهرولة: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٥ - ٩٦].
فلما أخذوا معه في الكلام، قال: كيف تعبدون شيئاً صنعتموه بأيديكم، نحتموه من الأخشاب، ومن الحديد، ومن الحجارة، فتأتون إلى أخشاب صنعتموها بيدكم، وإلى حديد ذريتموه بأيديكم، وإلى طين فتتخذوه إلهاً، فكيف تعبدون ما خلقته أيديكم؟! ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] فالكل خلق الله، وتتركون الخالق وتعبدون المخلوق، أهذا فعل العقلاء؟! فقال لهم: ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ [الصافات: ٩٥] من النحت، والنحت: النقل والبري والصنعة، أتعبدون ما تنحتون، أي: هذه الآلهة، بل أنتم صنعتموها ونحتموها من الأخشاب، ومن الحجارة، ومن الحديد، وليس الخشب لكم، ولا الحديد من خلقكم، بل الكل خلق الله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦].
خلقكم، وخلق هذه الأخشاب، وهذا الحديد، وهذه الحجارة، فكيف تأتون إلى شيء خلقه الله، فهو مخلوق، وأنتم مخلوقون، فتتركون الخالق الذي خلقكم، وتذهبون إلى عبادة المخلوق، أهذا منطق العقل.
وكل هؤلاء العابدين ممن لا يزالون إلى الآن، تدخل كنائسهم تجد هناك صوراً وتماثيل يصرفون لها هذه العبادة، ثم يقولون عن فلان: فيلسوف، وعن فلان كذا، وما هم إلا أنعام ضالون، كيف يأتون إلى هذه الأحجار، وإلى هذه الأخشاب، وإلى هذه الحدائد يصنعونها بأيديهم، ينحتونها بأيديهم، ثم يسمونها آلهة، فيركعون لها ويسجدون لها، ويعبدونها دون الخالق؟! والخالق هو الذي خلقهم وخلق أعمالهم: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦].