تفسير قوله تعالى: (سلام على إبراهيم)
قال تعالى: ﴿سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٩ - ١١٢]، يسلم الله على إبراهيم، ونحن نسلم مع ربنا، نقول: السلام والصلاة على إبراهيم وولد إبراهيم محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليهم جميعاً وسلم.
قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ [الصافات: ١١٠]، الجزاء الأول جزاء المحسنين بإنقاذهم من البلاء ومن الغم ومن الهم، فقد أنقذه الله من الذبح في آخر ساعة، كذلك الذي أحسن الطاعة لربه عبادة وإيماناً به وإيماناً بنبيه، يرفع الله ذكره في الصالحين، ويذكر بالخيرات، كصحابة رسول الله وأئمة شريعتنا، فنحن إذا ذكرنا الصحابة قلنا: رضي الله عنهم، فهذا ذكرهم العالي، وإذا قلنا الإمام مالك أو الإمام الشافعي أو الإمام أبو حنيفة أو الإمام أحمد وأمثالهم قلنا: رحمهم الله، وهم كذلك رفع الله ذكرهم، وكانوا كذلك ممن أحسنوا دينهم، ونشروا الدعوة لربهم، ونشروا شريعة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله، فجوزوا جزاء الأولين بالرحمة والرضا، والذكر بالصالحات والطيبات.
قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الصافات: ١١١]، إن إبراهيم من عباد الله الصادقين الإيمان، الصادقين الإسلام، الذين آمنوا بربهم وآمنوا بأنبيائهم السابقين، وآمن بنفسه نبياً ورسولاً وخليلاً لربه، فالله أشاد به كما أشاد بالأنبياء.
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١١٢] كان هذا بعد أن بشر بالغلام الحليم الذي هو الذبيح إسماعيل، وكانت البشرى الأولى بطلب إبراهيم عندما دعا ربه، قال: ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١٠٠]، وكانت البشرى بإسحاق بلا طلب.
جاءت ملائكة الرحمن لتبلغ إبراهيم خليل الله بما سيفعلونه بقوم لوط، وكانت المرأة واقفة فضحكت، وفسروا الضحك هنا بالحيض، ولا حاجة لذلك، بل ضحكت وابتسمت وإذا بالملائكة يتبسمون إليها ويبشرونها، فهي لم تطلب ذلك ولم تدع له، ولم يطلبه إبراهيم قبلها، بدليل أنها تعجبت ولم تكن حينها فيمن يلد، ولم يكن زوجها فيمن ولدوا، فضحكت: ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧١ - ٧٢]، فكانت البشرى منحة وكرامة، فقد بشرت سارة لصبرها مع إبراهيم، وما لقيت مع إبراهيم، وكانت قد أسنت وعجزت وكبر زوجها وشاخ، ومع ذلك تفضل الله عليها وأرسل الملائكة تبشرها بإسحاق.
قالوا: وإسحاق ولد بعد أن تجاوز إبراهيم المائة، والقرآن قال: ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ [هود: ٧٢]، والشيخوخة في ذلك العصر تكون أحياناً في المائتين، فقد كانوا يعمرون كثيراً، يعيشون الثلاثة والأربعة من القرون، ونجد هذا لا يزال في التوراة، ولا يزال في الإنجيل، ويؤكد ذلك ويصدقه القرآن، عندما يقص عن نوح: أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فمعنى ذلك بلغ من السنين ما لا يكاد يصل إليه أحد من الأمة المحمدية؛ لأن الأمة المحمدية يقول عنها عليه الصلاة والسلام: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليل من يتجاوز ذلك).
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [الصافات: ١١٢] بشره الله بولادته ثم بكبره إلى أن يصبح نبياً، وإلى أن يكون من الصالحين، فإسماعيل أفضل منه، لأنه كان نبياً فقط، أما إسماعيل فكان نبياً رسولاً، والنبي هو عبد لله أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، كذلك كان إسحاق، والرسول هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه.
قال: (مِنَ الصَّالِحِينَ) وكل نبي صالح وكل رسول صالح، ولكن إشادة الله به في كتابه، وإعلاء ذكره، والتنويه به يدل على أنه كان في رفقة من الصالحين.