تفسير قوله تعالى: (وما منا إلا له مقام معلوم)
قال تعالى: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصافات: ١٦٤ - ١٦٦].
يقول هذا ملائكة الله متبرئين من عبدتهم المشركين الذين قالوا إنهم بنات لله، وحاشا الله من ذلك، وحاشا الملائكة كذلك من مثل هذا الكفر، فالملائكة متبرئون من كفر الكافرين.
﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤] أي: لا يوجد أحد منا معاشر الملائكة إلا وله ومقام ورتبة من العبادة لله: بين قائم وساجد وذاكر وعابد، ومكلف بالموتى، ومكلف بزرع الحياة، ومكلف بأهل الجحيم، ومكلف بأهل النار، وهم جند لله: ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦].
فجبريل كبير الملائكة ورسول الله إلى رسل الله من البشر، وإسرافيل المكلف بالنفخ في الصور، وعزرائيل المكلف بقبض الأرواح، وكما أن البشر لهم رتب في الحياة بين مالك وعابد ورسول ونبي فكذلك الملائكة، على أنهم جميعاً لا يأكلون ولا يشربون ومعصومون من الذنوب والخطايا، والعبادة عندهم كالنفس للبشر، فالإنسان إذا انقطع نفسه مات، والملك إذا انقطع عن الذكر مات، فهو لا يحيا إلا بالذكر.
﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصافات: ١٦٥ - ١٦٦].
أي: صافون للعبادة، فهم يصطفون في السماء الدنيا وفي السماوات وحيث كانوا من كون الله أرضاً أو سماءً يصطفون للصلاة والعبادة بين قائم وراكع، وبين ساجد وتالٍ، وبين ذاكر ومنفذ للأمر، يسبحون الله، ويذكرون الله، ويقولون: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، وكل يسبح الله بذكر من أذكاره جلاله.
وعن نبي الله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون: أطت السماء وحق لها تئط)، أي: صوتت بما تحمل من ثقل من الملائكة، وكما يصوت السقف المصنوع من خشب، تجد له صوتاً وحركة لثقل ما عليه: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع قدم إلا وفيه ملك قائم أو ساجد).
وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (صفوا كما تصف الملائكة -أي: في الصلاة- فقالوا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة؟ قال: يتقدمون إلى الصفوف المتقدمة -أو يتمون الصفوف المتقدمة- ويتراصون في الصف) بمعنى: أن الملائكة يصطفوا صفاً واحداً، ثم الثاني ثم الثالث، فمن كان في الثاني والثالث ورأى فرجة فعليه أن يملأها ويتقدم إليها إلى أن تتم، وإذا اصطفوا يقفون متراصين، الكتف إلى الكتف، والكعب إلى الكعب.
وأما المصلون بالمسجد الحرام فحكمهم آخر؛ لأن القبلة فيه مكعبة، فتجد المصلين يحيطون بالكعبة من جميع الاتجاهات ومع ذلك يمكن للناس أن يصفوا محيطين بالكعبة صفاً فصفاً.


الصفحة التالية
Icon