تفسير قوله تعالى: (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم)
﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١ - ٢] سورة الزمر تشتمل على خمس وسبعين آية، نزلت في مكة المكرمة، إلا آية كما قال البعض، أو آيات كما قال آخرون.
وسميت بالزمر، وهي الجماعات؛ جمع زمرة، وأخذ ذلك من السورة الكريمة؛ لأن الكافرين يساقون إلى جهنم زمراً والمتقين يساقون إلى الجنة زمراً.
وأكثر سور القرآن الكريم سميت بما ذكر فيها كسورة البقرة لورود ذكر البقرة، وكسورة آل عمران سميت بذلك لذكر قصة آل عمران فيها وهكذا.
قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١] مبتدأ وخبر، أي: تنزيل هذا الكتاب -وهو القرآن الكريم- من الله العزيز الحكيم، ليس كما ادعى الكفرة والكهنة من أنه قول محمد عليه الصلاة والسلام، أو أعانه عليه قوم آخرون، بل هو كلام الله المنزل على نبيه محمد سيد العرب والعجم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله: ﴿مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [الزمر: ١] أي: من الله العزيز الذي لا ينال جنابه، العزيز الذي لا يقاوم، العزيز الذي يعز على كل من سواه أن يناله أو يتأله عليه.
الحكيم في كل أقواله وأفعاله، الحكيم في قدره وأمره ونهيه، وهو اسم من أسماء الله جل وعلا كالعزيز.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢].
الألف واللام للعهد، فالكتاب هو القرآن المتكلم عنه، وإذا أطلق لفظ الكتاب بين العلم والكتب فلا ينصرف إلا إلى القرآن الكريم.
وإذا أطلق الكتاب عند النحاة فلا ينصرف إلا إلى كتاب سيبويه في النحو.
قال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٢] هذا الكتاب لم ينزل بباطل، بل نزل بإحقاق الحق، وببيان الحقائق السابقة واللاحقة، نزل وفيه حقائق العقائد والأحكام والحلال والحرام، وكل ما يعود على الخلق من مصلحتهم ومنفعتهم في الدنيا والآخرة.
قال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] فأول حقيقة نطق بها القرآن وجاءت بها الأنبياء: أن اعبدوا الله مخلصين له الدين، فهو أمر لآدم ولنوح بعده ولسلالته من الأنبياء والمرسلين، إلى إبراهيم وولديه إسماعيل وإسحاق، وإلى سلالة إسحاق من أنبياء بني إسرائيل، وإلى إمام الأنبياء والمرسلين محمد عليه وعلى أبويه إسماعيل وإبراهيم الصلاة والسلام.
فالقرآن جاء بحقائق العبادة مخلصة لله، جاء بلا إله إلا الله.
فقوله: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ٢] أي: فاعبد الله يا محمد! وكذلك كل من سمع بهذا الكتاب وتبع هذا النبي الكريم.
قالوا: الإخلاص في الدين قول لا إله إلا الله، وكما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون قبلي لا إله إلا الله).
فهي كلمة الإخلاص والتمجيد والتعظيم، ومعناها: لا إله بحق، ولا معبود بحق، ولا خالق ولا رازق ولا محيي ولا مميت إلا الله الواحد القهار.
فيقول الله: يا محمد! لا تشرك في عبادتك مع الله أحداً، ولا تراء بها ولا تسمع بها، ولا تتخذ مع الله أنداداً وشركاء وآلهة، إنما هو إله واحد لا إله إلا هو.
فأخلص له العبادة، ولا تشرك معه شيئاً لا في عملك ولا في نيتك ولا في قولك، فكل ذلك اقصد به وجه الله واجعل دينك خالصاً له.
والله جل جلاله أبعد الناس عن قبول ما يشرك به فيه، وصلى الله على نبينا القائل: (إن الله غني عن الشركاء لا يقبل إلا ما كان خالصاً).
وهكذا يدعو الله جل جلاله عباده المؤمنين إلى إخلاص العبادة له وتخصيصها له، ولا يعبدون معه شركاء ولا يُسمِعون ولا يراءون، فلابد أن تكون عبادتهم لله خالصة، لا يرجون من ورائها جزاءً ولا شكوراً من أحد إلا من المعبود الواحد الأحد سبحانه.


الصفحة التالية
Icon