تفسير قوله تعالى: (ألا لله الدين الخالص)
﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣].
قوله تعالى: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: ٣].
يؤكد ربنا جل جلاله بأن دين الإسلام هو الدين الذي يدين به العبد ربه ويخلص فيه عبادته له، وما كان فيه شائبٌ من الشوائب، أو فيه نية سوء فتلك عبادة مضروب وجه صاحبها بها.
(جاء رجل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! إني أعمل العمل أريد به وجه الله وأريد أن يذكرني الناس بخير، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
والدين ما كان خالصاً له سبحانه، فما شابته من شائبة أو نية سوء أو شرك أو غيره، فتلك عبادة مشركة مضروب بها وجه صاحبها، لا يقبلها الله منه، وعليه وزرها وإثمها.
فقوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ [الزمر: ٣] أي: لا يقبل الله إلا الدين الخالص من الناس؛ لأن الدين الذي أمروا به هو ما كان لله وحده لا شريك له فيه، وما لم يكن كذلك فليس ديناً ولا عبادة، وبالتالي لا يقبله الله.
فالله جل جلاله لا يقبل إلا ما كان خالص العبادة لوجهه الكريم.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ [الزمر: ٣] أي: الذين صنعوا من دون الله أولياء وآلهة، أشركوهم مع الله في العبادة.
قال تعالى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] يقول هؤلاء الذين اتخذوا الشريك مع الله في عبادته: إنما نتقرب باتخاذ الأوثان والأصنام حجارةً كانت أو ملكاً أو إنساً أو جنياً، فهؤلاء الذين اتخذوا أولياء معبودين، يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
فهم يدعون أنهم يعبدون الله، وأن عبادتهم لهؤلاء ليست لذواتهم وإنما زلفى وقربى، والزلفى: القرب، أي: نعبدهم متقربين إلى الله بهم.
كان يقول المسلم للكافر: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول له: من خلق السماء والأرض؟ فيقول: الله، فيقول له: من المحيي المميت؟ فيقول: الله، فعندما يقال له: فلم إذاً تعبد الأوثان والشركاء؟ وما معنى عبادتك لها؟ يقول: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، أي: ليكونوا متقربين منهم يشفعون لهم، وهيهات هيهات أن يشفع أحد عنده إلا بإذن.
ولا يشفع الحجر ولا الكافر ولا المشرك؛ لأنهم لا يؤمنون بالبعث ولا باليوم الآخر، فهؤلاء عندما يزعمون هذا الزعم ويدعون هذه الدعوى يزدادون في الشرك إغراقاً وفي الوثنية ضياعاً، فالعبادة ما كانت خالصة لله وحده، فلا شريك ولا ند ولا نظير له.
قال تعالى في سورة النجم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ [النجم: ٢٣].
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣].
هؤلاء الذين أصروا على مخالفة وعصيان الأنبياء والدعاة إلى الله، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ [الزمر: ٣] أي: يوم القيامة، ﴿فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [الزمر: ٣] إن الله تعالى يوم القيامة عندما يرى من كان يؤمن غيباً ويصبح وقد آمن شهوداً -يراه المؤمن وغير المؤمن- عند ذلك يحكم الله بين العباد فيحق الحق ويبطل الباطل.
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ [الرعد: ١٧].
فالمزيفون المبطلون الوثنيون يؤخذون إلى النار ولا كرامة، والمؤمنون الصادقون المخلصون لله في عبادتهم له يدخلون الجنة زمراً أي: جماعات جماعات.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾ [الزمر: ٣] يهدي الله من طلب الهداية، وانشرح صدره.
أما المفتري الكاذب على الله اتخذ الآلهة التي هي أعجز من أن تنفع نفسها أو تضرها فضلاً عن أن تنفع غيرها أو تضرها، ما دام مصراً على الكذب والافتراء فإن الله لا يهديه.
قال تعالى: ﴿إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا﴾ [الأنفال: ٧٠].
فهؤلاء لا خير في قلوبهم، وبالتالي لا هداية لهم، وأخيراً لا يصلحون لخير؛ لأن قلوبهم انطوت على الكذب والافتراء على الله، فما داموا كذلك فقد غطى الران قلوبهم، فأصبحوا عمي البصائر قبل أن تعمى منهم الأبصار.


الصفحة التالية
Icon