تفسير قوله تعالى: (لو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه)
قال تعالى: ﴿لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤].
لو: شرط، والشرط لا يلزم وقوعه، بل هو هنا مستحيل، فالولد مستحيل، والشريك مستحيل؛ لأن الله جل وعلا هو الخالق للولد وللصاحبة، وهو غني عنهما، ولا يليق ذلك بالخالق إنما يليق بالمخلوق.
فالله يقول لهؤلاء: لم تختارون لي عيسى وعزيراً، أو الملائكة أو الجن أو غيرهم؟ لو شئت لاخترت الولد مما أخلق حسب اختياري لا حسب رغبتكم واختياركم.
فالنصارى الذين يدعون أن عيسى ولد الله، واليهود الذين يدعون أن عزيراً ابن الله، وادعى اليهود والنصارى جميعاً أنهم أبناء الله، هم كذبة فجرة، فالله لا شريك لله له ولا ولد ولا صاحبة، قال تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٣ - ٤] أي: لا كفء له ولا ند، ولا مثيل ولا نظير له.
وقال سبحانه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١].
فما نسبوه إليه من ولد وصاحبة ما هي إلا أسماء وأكاذيب وأضاليل كذبوها وافتروها على الله الواحد زوراً وبهتاناً.
قوله تعالى: ﴿لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [الزمر: ٤] أي: لاختار، وإذا اختار ذلك مما يخلق -على أن الشرط لا يلزم وقوعه- فيكون مخلوقاً، والمخلوق عبد، والعبد لن يكون ولداً ولن يكون شريكاً بحال من الأحوال، قال تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾ [مريم: ٩٣] فكلنا عبيد له، وملائكة الله ورسله وجميع خلقه عبيد له.
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [الزمر: ٤] ينزه نفسه جل جلاله، وقد ذكر هذا الشرط قمعاً لهؤلاء وتضييعاً وتزييفاً لزيفهم وباطلهم، فسبح نفسه ونزهها وعظمها وعلمنا كيف نصنع مثل ذلك، فنقول: سبحانه سبحانه، لم يكن له شريك، ولم يكن له أب ولا ولد، بل هو الله خالق كل شيء.
قوله: ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤] ليس له أب ولا ابن ولا صاحبة، وحاشاه من ذلك، إنما هو الذي لا أول لبدايته ولا خاتمة لنهايته، كان الله ولا شيء معه، وهو على ما كان عليه، وسيذهب الخلق ويبقى الخالق وحده سبحانه وتعالى.
هو الواحد في ذاته، والواحد في صفاته، والواحد في أفعاله، لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد ولا أب.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١ - ٤].
قال تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾ [الزمر: ٤] الذي قهر خلقه بالموت وبإرادته، يصنع ما شاء بمن شاء كيف شاء جل جلاله، ﴿لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣].
فنحن مسئولون عن كل شيء يكون عنا، ولكن الله الواحد القهار يفعل ما يشاء ولا يسأل عما يفعل.