معنى قوله تعالى: (خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها)
قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ﴾ [الزمر: ٦].
يشير الله سبحانه إلى قدرته، ويعلمنا كيف نوحده ونصفه ونعرفه، وأن هذه الصفات لن تكون لأحد سواه جل جلاله.
قال تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الزمر: ٦] خلقنا جميعاً من نفس واحدة هي: أبونا آدم، خلقه من تراب، خلقه بيده، وصوره بيده ثم نفخ فيه من روحه ثم أسجد له ملائكته.
فكل هؤلاء الخلق كانوا من نفس واحدة، ولذلك لا حاجة للتعاظم والتفاخر في الأنساب، فسواء كنا بيضاً أو سوداً أو صفراً أو سمراً فأبونا واحد، وأبونا من تراب، وليست الأفضلية إلا بالتقوى لا بأبيه ولا بأمه، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣].
قال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الزمر: ٦] ثم خلق وصير من النفس الواحدة زوجة، خلقها وفرعها من النفس الأولى وهي أمنا حواء، خلقها من ضلع من أضلاعه كما قال نبينا ﷺ كما في الصحيح: (خلقت من ضلع أعوج، إن أنت أقمتها كسرتها، وإن أنت استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج).
فمن كان أصل خلقته عوجاء لا تقبل الاستقامة وإلا كسرت.
إذاً: فاقبلها على علاتها ما لم يصل ذلك العوج إلى الدين وإلى الخلق وإلى الفضائل، فعند ذلك لا يصبر على هذا.
قال الإمام مالك: إن ترضية الزوجة منسأة في العمر، مصحة في الحياة، تزيد في الأجل، بمعنى: أنه يستريح الإنسان ويصح، وإذا صح تمتع بحياته، وإلا فإن العمر لا يزيد ولا ينقص، لكنه يكون كمن عاش زمناً طويلاً.
فقوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الزمر: ٦] كما قال تعالى في أول سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: ١].
خلقنا من نفس واحد هو آدم، خلق منه أمنا حواء وهي الأم الأولى، ثم بث منهما نساء كثيراً ورجالاً كثيرين، حذفت الثانية لدلالة الأولى عليها وذاك من البلاغة والفصاحة.