معنى قوله تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم)
قال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الزمر: ٧].
الله جل جلاله يعلمنا ويهدينا ويرسل لنا رسله لنعرف كيف نؤمن به، وكيف نمجده ونعبده وندعوه، وكيف نقيم الدين في أنفسنا وندعو غيرنا إلى الإيمان به وعبادته.
ويقول مع ذلك: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ﴾ [الزمر: ٧] أي: إنما هذا لخيركم وصلاحكم في الدنيا والآخرة، وإلا فكفركم لا يضر ملكي شيئاً.
وهذا معنى الحديث القدسي: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وجنكم وإنسكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).
فيا هؤلاء الوثنيون، ويا هؤلاء المشركون الكافرون بالله، يقول الله لكم: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا﴾ [الزمر: ٧] أي: إن تجحدوا دين الله فإن الله غني عنكم، ليس بحاجة إلى عبادتكم.
وقال تعالى في سورة الحج: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ [الحج: ٣٧] ما نقدمه صدقة وما نريق دماً في سبيل الله أيام منى وأيام المناسك، لم ينل الله من تلك الدماء ولا من تلك اللحوم شيء، ولكن ذلك ينفعنا نحن، ونكون به قد امتثلنا أمر ربنا، ويعود ذلك على فقرائنا ومساكيننا، وهذه هي العبادة، إن أحسن الإنسان أحسن لنفسه، وإن أساء فعليها.
فقال تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر: ٧] أي: الله غني عن إيماننا لا يضره كفرنا، ومع ذلك لا يرضى لعباده الكفر ولا يأمر به، فهو يكره الكفر والكافرين.
قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧].
أي: إن تذكروا الله وتقولوا: الحمد لله -ولا يقولها إلا مؤمن- ﴿يَرْضَهُ لَكُمْ﴾ [الزمر: ٧] أي: يرضى لنا الإيمان إن نحن آمنا بربنا وشكرنا نعمه وقلنا: الحمد لله، وكما كان الخلق في البداية بحمد الله رب العالمين، وفي النهاية كذلك: ﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: ١٠].
ولا يحمد ربه ويشكره إلا مؤمن، ولذلك من يشكر الله يرض الله منه ذلك ويجازه عليه.