تفسير قوله تعالى: (قل إني أخاف إن عصيت)
قال تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر: ١٣ - ١٤].
عندما دعاه قومه إلى دينهم ودين آبائهم من عبادة الأوثان والأصنام، قال الله له: قل لهم يا محمد: ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ [الزمر: ١٣] أي: إن خرجت عن أمره، وعن أن أكون أول المسلمين، وعن أن أخلص الطاعة لله لا شريك له، لا في ذاته ولا في صفته، فإن أنا عصيت ربي في أوامره أخاف عذاب يوم عظيم.
واليوم العظيم: يوم القيامة الذي يعامل الإنسان فيه حسب عمله في دنياه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
هو أمر لرسول الله، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم، فهو أمر لجميع الخلق جناً وإنساً، لأن من لم يخش الله ولم يطعه، ومن عصى الله في أوامره فلم يفعلها وفي نواهيه فارتكبها، فعليه أن يخاف عذاب ربه وغضبه يوم القيامة.
قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر: ١٤].
أي: لا أعبد سوى الله، ولا أشرك مع الله أحداً، إنما أعبد الله.
وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر كما تقول القواعد في لغة العرب التي بها نزل كتاب الله الكريم.
﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ﴾ [الزمر: ١٤] الله: لفظ الجلالة منصوب على المفعولية والمفعول مقدم، والفعل والفاعل (أعبد) مع ضميره المستتر، وتقديم المعمول على العامل يفيد الحصر، أي: لا أعبد إلا الله، ولا أطيع إلا الله، ولا أخشى إلا الله.
فقوله: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [الزمر: ١٤] أي: أخلص لله العبادة ولا أشرك معه أحداً، فلا أرائي في عبادتي ولا أسمع بها، ولا أخلط بها شركاً خفياً بأن يسمع فلان، وأن يثني عليَّ فلان، وأن يهتم بي فلان، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فمن فعل ذلك ضرب بعبادته على وجهه، وكان إلى الشرك أقرب منه إلى الإيمان.
قال تعالى: ﴿فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٥] هذا تهديد ووعيد، يقول: أما أنا فلا أعبد إلا الله، وأما أنتم أيها المشركون الوثنيون الضالون من اليهود والنصارى وسواهم! فاعبدوا ما شئتم، قد علمتم أن من يأتي يوم القيامة وقد أشرك مع الله غير ما سيلقى من عذاب ومن طرد عن رحمة الله ما الله به عليم.