تفسير قوله تعالى: (أفمن حق عليه كلمة العذاب)
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزمر: ١٩].
﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ [الزمر: ١٩] قد رآه الله ورآه قومه وهو يحرص على إيمان قومه وعلى إيمان من دعاهم إلى الله، ولكن الأمر بيد الله لا بيد أحد سواه، لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، وقد كان عليه الصلاة والسلام حريصاً على إيمان فلان وفلان من أقاربه، ولكن الله له الإرادة والأمر، فقال الله لنبيه عن هداية قومه: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣] أي: لعلك مهلكها ألماً وحسرة أن لم يؤمنوا بي، فلا تفعل.
فقوله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] أي: ليست وظائف الرسل الهداية، ولكن وظيفتهم التبليغ، فعليك أن تبلغهم كلام الله، وأن تتلو عليهم كلام الله، وأن تبين ذلك بالسنة.
أما هدايتهم فلن تسأل عن ذلك لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يقال لك يوماً: إن فلاناً لم يهتد، ولكن يقال لك: هل بلغت؟ ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قام خطيباً في قومه في عرفات عند جبل الرحمة، وكان يقول: (ألا هل بلغت، ألا هل بلغت؟) يسألهم، والله قد أمره بالبلاغ.
فكانوا يقولون له: اللهم نعم، قد بلغت وأحسنت، ويشير بيده عليه الصلاة والسلام إلى السماء، إلى حيث العرش ثم ينكتها ويقول: (اللهم اشهد)، يشير إلى السماء ثم إليهم، أي: اشهد على هؤلاء.
وكانوا مائة وعشرين ألف حاج.
أي: اشهد عليهم في أني بلغت أمرك ورسالتك، ولم أتوان في ليل ولا نهار ولا في صحة ولا مرض، ولا في سفر ولا حضر؛ لأن وظيفة النبوءات والرسالة التبليغ لا الهداية.
فهنا يقول: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ [الزمر: ١٩] أي: وجبت عليه كلمة العذاب، وقال: هؤلاء إلى النار ولا أبالي، قال تعالى: ﴿هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠].
فالله قضى على نفسه أن النار ستمتلئ، وأن الجنة سوف تمتلئ، فهؤلاء يا محمد! الذين هم من أهل النار أتظن أنك ستنقذهم من النار؟ هيهات هيهات، ليس ذلك لك ولا لأحد غيرك إنما هو لله الواحد القهار.
قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢].
وقال تعالى: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦].
فقوله: ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ﴾ [الزمر: ١٩] أي: أفمن وجب في حقه، في شركه وكفره؛ (كَلِمَةُ الْعَذَابِ) وهي الكلمة التي أنذر بها العبد إذا لم يؤمن ومات على الكفر والشرك أن النار داره ومقامه ومأواه إلى أبد الآباد.
قوله: ﴿أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزمر: ١٩] أي: هل تستطيع يا محمد! أن تنقذ هؤلاء الذين سبقت عليهم كلمة العذاب: إن الله حرم الجنة على الكافرين.
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨].
فإبراهيم دعا أباه آزر ووعده بأن يستغفر له، فلما مات على الشرك والكفر أخبر الله عن إبراهيم أنه لم يستغفر له، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: ١١٤].
فلم يعد يطلب له المغفرة، لأن المغفرة للكافر لن تكون، ولن يغفر لمن مات على الشرك.


الصفحة التالية
Icon