معنى قوله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به)
قال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الزمر: ٣٣ - ٣٥].
هذه مقابلة، إذ القرآن متشابه ومثاني، جاء القرآن بالآيات متشابهة في الحق والذكر والبيان وهي مثنى مثنى تذكر الشيء وضده، تذكر الكفر والإيمان، والجنة والنار، وأولئك كذّبوا الصدق وكذبوا على الله، وهؤلاء جاءوا بالصدق وصدّقوا المرسلين.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] جاء يوم القيامة ومعه الصدق، جاء، وقد صدّق ربه وكتابه ونبيه، وصدّق بالحقائق كلها.
قال تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣] أي: أولئك هم المؤمنون الصالحون، الذين اتقوا الباطل والشرك، وجعلوا بينهم وبينه حواجز من الطاعات ومن الإيمان بالله وبرسله.
وذكر أن الذي جاء بالصدق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من المسلم به، جاء رسول الله وجاء الرسل أجمعون بالصدق، قوله: ﴿وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] صدّقوا أنفسهم وكانوا رسلاً لأنفسهم.
وقيل: إن الذي جاء بالصدق هو جبريل.
فقوله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر: ٣٣] أي: الملائكة متقون، والرسل والأنبياء متقون، فهم معصومون عن الزلل والخطأ ولكن سياق الآية لا يدل على ذلك؛ يدل على أن المقصود هم الجن والإنس غير المعصومين؛ لقوله تعالى: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الزمر: ٣٤ - ٣٥] فهؤلاء قوم مسيئون جاءوا بمعاصٍ وذنوب غفرها الله لهم، ثم جازاهم وأحسن إليهم بأحسن أعمالهم.
فنحن الذين نخطئ ونذنب ثم نعود بتوفيق الله لطلب المغفرة من ربنا فيغفر لنا، فهي صفات غير الملائكة والأنبياء وإن كانوا هم الذروة من الذين جاءوا بالصدق من الله وصدّقوا ما جاءوا به، ولكنهم لم يكونوا مسيئين يوماً ولا مذنبين.
فقوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣] أي: من الجن والإنس جاء يوم القيامة بالصدق، وهذه بخلاف الآية السابقة: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ﴾ [الزمر: ٣٢] فهؤلاء الكفرة جاءوا كاذبين على الله ناسبين له الشريك والولد، أما هؤلاء فعكسهم تماماً، جاءوا بالصدق يوم القيامة وبتوحيد الله والإيمان برسله، والعمل بشريعته حسب جهدهم وطاقتهم.
يخبر ربنا عن هؤلاء أنهم هم المتقون المؤمنون الذين اتقوا الذنوب والمعاصي فلم يفعلوها، وإذا فعلوها تابوا واستغفروا وأنابوا إلى الله ورجعوا، والله يغفر لمن يشاء.
والله أكرم هؤلاء الذين جاءوا بالصدق وصدقوا به ووصفهم بالتقوى، فقال: ﴿لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ [الزمر: ٣٤] مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، جعلنا الله معهم.