تفسير قوله تعالى: (فأصابهم سيئات ما كسبوا)
قال تعالى: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر: ٥١] أي: وأصابهم سيئات أكلهم للحرام، وفسادهم في الأرض، وشركهم بالله واتخاذهم الناس عبيداً وخوراً وجحودهم للأنبياء ولكتب الله، وبعدهم عن الحقائق، وعيشهم في الأباطيل والسفاسف.
((فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا)) أي: أهينوا وأصيبوا بذنوبهم وبسيئات ما كسبوه وارتكبوه وعملوا به.
قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر: ٥١].
يقول الله عن هؤلاء الذين عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام من كفار جزيرة العرب، ومن كفار الفرس والروم، وكفار الدنيا جميعها: هؤلاء الذين لم يؤمنوا، والذين أبوا إلا الكفر والجحود والعصيان، إذا عاثوا في الأرض فساداً وزادوا كفراناً وجحوداً؛ فـ (سيصيبهم سيئات ما كسبوا)، أي: يصابون بمصائب نتيجة ما اكتسبوا وارتكبوا من شرك وظلم وباطل وأكل أموال الناس بالباطل ومن فساد في الأرض.
قال تعالى: ((وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)) أي: ليسوا بفائزين ولا يعجزوننا.
فالله القادر على كل شيء، وهم أقل من أن يعجزوا الله، فمن مضى قبلهم كانوا أعظم كفراناً وأكثر أقواماً وأموالاً وجنداً وحضارة ومع ذلك عاقبهم الله في الدنيا قبل الآخرة نتيجة شركهم، بين خسف وصعق وغرق وتشريد وبلاء، ولم يفلت منهم أحد.
فما قص الله علينا عن قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم فرعون، وقوم لوط وأقوام من بني إسرائيل، إلا ليكونوا عبرة لقوم محمد ﷺ وللمؤمنين من أمته، حتى إذا أشبهوا النصارى عوقبوا عقابهم، وإذا قلدوا اليهود عوقبوا عقوبتهم، وإذا قلدوا قوم لوط عوقبوا عقوبتهم.
فما ذكر الله ذلك إلا للعبرة والحكمة وأخذ الدرس منهم، لا لنعلم قصة، ولا لنطلع على حكاية، ولا لنمضي وقتاً في قصة لا نعلم ما بها ولا نسعى إلى معرفة حكمها وفوائدها.
فقوله: ((وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا)) أي: ينذرهم الله ويتوعدهم أنه سيصيبهم كذلك سيئات اكتسابهم وارتكابهم كما حصل للأمم السابقة.
قوله: ((وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ)) أي: لن يعجزونا، فهم لا يعجزون الله، وهيهات هيهات! ما أعجزوا محمداً ﷺ وهو بشر مثلهم، فقد قتل منهم من قتل، وشرد من شرد، وأسر من أسر، وصادر من صادر، وطرد من طرد، وهكذا في حكومات الخلفاء الراشدين، في مشارق الأرض ومغاربها، ومن أتى بعدهم من الملوك الصالحين، ومن الفاتحين العادلين.


الصفحة التالية
Icon