تفسير قوله تعالى: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم)
قال تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥].
يقول ربنا جل جلاله: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٥]، وأحسن ما أنزل إلينا كتاب الله القرآن الكريم، وقد نزلت كتب سابقة: نزل الزبور على داود، ونزلت التوراة على موسى، ونزل الإنجيل على عيسى، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وأحسن تلك الكتب، وأكملها، وأجمعها وأنفعها لصلاح الناس كلهم في دنياهم وآخرتهم؛ كتاب الله الأخير القرآن المنزل على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام.
فالقرآن أحسن ما أنزل إلينا من ربنا وأكمله وأجمعه وأجمله، وهو الذي ما تمسك به أحد إلا نصره الله، ولا تركه من ظالم إلا وقصمه الله، هو الذي فيه خبر من قبلكم، ونبأ من بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل.
هو الكتاب الجامع لمنافع الناس ولمصالحهم في دنياهم وأخراهم، يعز الله من آمن به، ويذل من كفر به.
هو الذي من تمسك به هدي إلى صراط مستقيم، وهو الكتاب المعجز، وهو الكتاب الذي ضرب الله فيه أمثال كل شيء، هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
هذا الكتاب الذي فيه نبأ كل شيء، وهو أقدم كتب الله وأجمعها للحلال والحرام، وأصلحها للبشر كلهم منذ ظهور محمد صلى الله عليه وعلى آله في هذه البقاع المقدسة، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨]، فكتابه المنزل عليه كتاب هداية الناس جميعهم، في مشارق الأرض ومغاربها منذ عصره وإلى يوم النفخ في الصور.
فقوله: ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً﴾ [الزمر: ٥٥] أي: فبادروا إلى العمل به وامتثال أمره والانتهاء عن نواهيه، وإلى الإيمان بحلاله وحرامه، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وعذاب الله بعد الموت لمن مات ولم يستغفر ربه ولم يعد إليه، خاصة إذا مات مشركاً فلا أمل في رحمته، ولا أمل في أن يعفو الله عنه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨].
قال: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً﴾ [الزمر: ٥٥] أي: فجأة، فالموت آت لا محالة، فعجباً للإنسان الذي يعيش بالأماني والأحلام وينتظر ربه بعد ذلك، فيقال: لا يزال شاباً، ويقال: لا يزال صغيراً أمامه سنون وسنون، فنقول: وما أدراه أن أمامه سنين؟ هذا تأله على الله ورجم بالغيب، الموت أجل من آجال الله، يأتي الصغير والكبير، وقد يأتي الصحيح ويدع المريض سنوات.
قال تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥] أي: لا تشعرون بتلك البغتة.


الصفحة التالية
Icon