تفسير قوله تعالى: (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار)
قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: ٦].
(حقت) أي: وجبت، وحقت من الحق، ومغزى ذكر الحكاية: أن من فعل مثل قوم نوح، أو مثل عمل الأحزاب من بعدهم، فكفر كفرهم، وأشرك شركهم، وعصى بنيه كعصيانهم، فكذلك نفعل به.
﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ [غافر: ٦].
أي: كلمة العذاب، والكلمة التي يقولها عندما يريد شيئاً هي: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة: ١١٧].
وهكذا كان في المعاقبين من المشركين من الأمم الماضية، التي كذبت رسولها، والتي عبدت مع الله غيره، وأشركت به أصناماً وأوثانا.
وكذلك الذين كفروا بسنة محمد، وكل الخلق بعد ظهور النبي ﷺ في هذه الديار المقدسة كلهم أمة محمدية، فمن آمن به من الأمم سميت أمة مستجيبة، ومن كفر سميت أمة متمردة عاصية، وأما رسالة موسى فقد انتهت، وكذلك رسالة عيسى، وكلاهما قد مسخ ونسخ، وانتقل اليهود من ديانة التوحيد إلى عبادة العزير، واعتقدوا أنهم أبناء الله.
وانتقلت ديانة النصارى من عبادة الله الواحد إلى زعمهم بأن عيسى هو الله، وأنه ابن الله، وأنه ثالث ثلاثة، وأنهم جميعاً أبناء الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فقد نسخت هذه الديانات في حد ذاتها، ثم بعد ذلك جاء الإسلام ونسخها جميعها، فلذلك يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: (والله! لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي)، فلا بد على كل أحد أن يؤمن بنبينا، فمن لم يؤمن به كان كافراً، و (لو) حرف شرط، ولا يلزم من الشرط الوقوع، وعيسى سينزل في آخر الزمان، وسينزل على دين محمد، ولذلك عد من الأصحاب، وترجم في كتب الأصحاب أنه من أصحاب النبي عليه الصلاة السلام.
ومن هنا قال ربنا جل جلاله: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٨٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [آل عمران: ١٩].
فلا دين كل ما فيه حق إلا دين الإسلام، فمن جاء بغيره فقد جاء بأباطيل وأكاذيب وضلالات ما أنزل الله بها من سلطان، ولن يقبل الله سوى الإسلام، فالإسلام ليس كما يحاول أن يفهمه كل إنسان، لقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، واختلفت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقه، كلها في النار إلا واحدة، قيل: يا رسول الله! ومن هي هذه الواحدة؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي) أي: السابقون الأولون كما وصفهم الله: ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: ١٠٠].
فحتى الصحابة ليسوا جميعهم، بل السابقون الأول من المهاجرين الذين هجروا دار الكفر إلى دار الإسلام، والذين سبقوا إلى الإسلام وتحملوا في سبيله الشدائد والعذاب، ومن الأنصار الذين أسلموا في الأيام الأولى والإسلام لا يزال ضعيفاً ومضطهداً، فهؤلاء هم الصحابة الذين أمرنا بإتباعهم.
﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: ٦]، أي: بأنهم أصحاب النار، وهكذا من جاء قبل هؤلاء من الأقوام السابقين، من أقوام نوح وهود وصالح ولوط، وأقوام إبراهيم، وأقوام أنبياء بني إسرائيل من الذين لم يؤمنوا بأنبيائهم، فضلوا وأضلوا.
كذلك أي فرقة من أمة محمد ﷺ كفرت ولم تؤمن به، فهي من أصحاب النار، ومآلها جهنم مع أولئك، ونهايتها النار مع أولئك.