تفسير قوله تعالى: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين)
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [غافر: ٢٣].
نعود مرة أخرى إلى قصة موسى وقد مضت غير مرة في سور سابقات، والحكمة من تكرار قصة موسى وبني إسرائيل -وإن كانت عند كل مرة تكرر بمعنى جديد، وبمغزى جديد، وبعبرة جديدة، وبحكمة جديدة- ليرسخ ذلك في الأذهان، وكما أقول باستمرار: الشيء إذا تكرر تقرر، والشيء عندما يكرر يصبح قراراً ثابتاً ممكناً، ولأن أقرب الأنبياء إلينا هم أنبياء بني إسرائيل ومنهم موسى، وهو من أولي العزم من الرسل، ومنهم خاتمهم عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فالله عندما يقص علينا قصص بني إسرائيل يهوداً ونصارى ذلك لنتعظ بما جرى لهم، حتى لا نعمل عملهم، ولا نفعل فعلهم، ولا نرتكب جرائمهم، فإن نحن فعلنا فعلهم عاقبنا الله بما عاقبهم به، وهذا سر تسلط اليهود أحقر الأمم والشعوب وأذلها وألعنها وأبغضها على مسلمي هذا العصر؛ لأنهم تركوا الله فتركهم، ونسوا الله فنسيهم، وعوضوا الإمامة المحمدية بالإمامة اليهودية، وتركوا محمداً وصحبه إلى ماركس اليهودي الشيوعي الملحد وإلى أصحابه، فتركوا الإسلام، وتركوا مذاهب الخلفاء الراشدين وطرائقهم السديدة إلى المذاهب اليهودية: من شيوعية، واشتراكية، ووجودية، وماسونية، وقاديانية، وبهائية وما إلى ذلك، كل هذه الأسماء القذرة الوسخة التي لا تحمل إلا قذارة وضلالاً أصبح العرب والمسلمون يتبارون ويتسابقون من يكون يهودياً أكثر من الآخر؟! ومن يكون شيوعياً؟! ومن يكون ماسونياً؟! ومن يكون وجودياً؟! وهل هذه المذاهب جميعها إلا مذاهب يهودية، وهكذا إلى أن خضعوا وتهيئوا لخلافة اليهود عملاً، والركون في ذلهم والاستسلام لهم، ورفع راياتهم في بلاد المسلمين، والاهتمام بهم، وفرض التحيات لهم، واستقبالهم استقبال المسلمين الصالحين، وهل هناك غضب وذل أكثر من هذا؟ ومن يصنع ذلك يجد من قومه وعشيرته من يصفق له ويسانده ويقويه، وقديماً قال ربنا عن فرعون: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ﴾ [الزخرف: ٥٤].
وهكذا دواليك عندما يلعن الله متهوداً ذليلاً حقيراً لم يهود حتى يجد من عشيرته وأتباعه من يسانده ويقويه، هذا الذي حذرنا الله منه في كتابه، فعندما يذكر قصة موسى وما جرى بينه وبين فرعون وهامان وقارون من محنة ومن عذاب لنبتعد عن ذلك، فعندما لم نفعل يعاملنا الله معاملة اليهود ذلاً وهواناً، وقد سلط الله اليهود على هؤلاء الذين تركوا دين الله، وأخذوا يحاربون الإسلام ويتبعونه لليهودية، ويحاربون القرآن ويتبعونه بالتوراة والإنجيل المحرفة، ويحاربون العلماء ويقتلونهم وينذرونهم بالوبال الشديد، ويأتون إلى علماء اليهود من حاخامات وأحبار فيجلونهم ويجعلونهم شركاء من دون الله، فما زادهم الله بذلك إلا ذلاً وهواناً في الدنيا، ولعذاب الله أشد وأنكى، هذا الذي يحذرنا الله منه منذ أنزل الله كتابه الكريم على خاتم رسله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.