تفسير قوله تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم)
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر: ٣٠ - ٣١].
ثم عاد هذا المؤمن يتصدى لفرعون ويرد قوله يكذب فهمه ويتحداه مواجهة، فلم يحسب له حساباً ولم يخف من بطشه ولا من ظلمه، وقد تقدم مجاهداً بالكلمة الحقة وليكن ما كان، وهو يرى أن فرعون يريد قتل موسى، ويريد قتل أخيه هارون ظلماً وعدواناً وعلواً في الأرض، ولكن هيهات هيهات: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [غافر: ٥١].
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ﴾ [غافر: ٣٠] نادى فرعون وقومه من الأقباط المشركين: يا قوم! لصلتي وإشفاقي ولقرابتي لكم أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، أخاف أن يجري عليكم كما جرى على الأحزاب السابقة التي كفرت بأنبيائها وتآمروا عليهم، قال: ﴿مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ﴾ [غافر: ٣٠] أي: يوماً كيومهم ينتقم الله فيه منكم، ويقضي عليكم، ويزلزل الأرض تحت أقدامكم، ثم يبين الله معنى يوم الأحزاب، قال: ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر: ٣١] أي: هذا اليوم الذي أخاف عليكم فيه وأخشاه هو كما حصل لأحزاب الكفر وأممهم وشعوبهم، ﴿مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [غافر: ٣١] عندما كفروا بالله وأبوا الإيمان به، فعاقبهم الله وأطاف عليهم المياه فأغرقهم ولم ينج منهم إلا من آمن، ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [هود: ٤٠]، ﴿وَعَادٍ﴾ [غافر: ٣١]، عندما جاء نبيهم هود يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بالتوحيد، فكفروا وأشركوا وتعدوا حدود الله وأسرفوا في الظلم والباطل، واعتدوا على نبيهم، فدعا عليهم فزلزلت الأرض من تحت أرجلهم، وأصابهم البلاء من حيث لا يشعرون، فأصبحوا كالحجارة لا تتحرك، وكأنهم لم يعيشوا يوماً، فدمرهم الله وقضى عليهم، على قوتهم وسلطانهم وبأسهم وطول أعمارهم وقوة أقدامهم.
وكذلك ثمود قوم صالح عندما جاءهم بالناقة، فقد قال للصخرة: كوني بأمر الله وبإذنه وإرادته ناقة كما طلبوا، فكانت ناقة عشراء حامل، ورأوا البينات بأعينهم فكذبوا بها وكفروا بها وقتلوا الناقة، فأصابتهم صيحة زلزلتهم فطارت قلوبهم من صدورهم، ﴿وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [غافر: ٣١] وقرون وشعوب وأمم جاءت من بعدهم: كقوم لوط وقوم نمرود وقوم إبراهيم وقوم فرعون، والكلام معه.
فالله تعالى نصر رسله ونصر المؤمنين، ودمر أولئك الكافرين الكاذبين، فهذا المؤمن يقول لفرعون ولمن حضر مجلسه: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ [غافر: ٣٠ - ٣١]، وما أصاب هؤلاء من تدمير وخراب وزلزال وفيضان وعقوبة إلهية لم يكن ذلك ظلماً من الله، فالله لا يظلم أحداً ولا يريد الظلم، ولقد حرم الظلم على نفسه كما حرمه على عباده، يا قوم! إني لكم ناصح مبين، دعوا عنكم موسى وليؤمن به من شاء، وليكفر به من شاء، وأما أن تعترضوا سبيله وتقتلوه فذاك البلاء الذي يمكن أن يصيبكم جميعاً كما أصاب من كان قبلكم.