تفسير قوله تعالى: (من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها)
قال الله جل جلاله: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [غافر: ٤٠].
يخبرنا ربنا جل جلاله بأن من رحمته ومن كرمه أن المرتكب للسوء أو للذنب تكتب عليه سيئة واحدة، وسيجازى عليها، وأن من عمل صالحاً من الإيمان بالله، والتزام الأركان الخمسة: من صلاة وصيام وزكاة وحج، ذكراً كان أو أنثى، وكان مؤمناً، فهؤلاء يدخلون الجنة ويكون، رزقهم فيها بغير حساب، ويجازون على الحسنة عشراً، إلى سبعمائة ضعف إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وهذه الآية الكريمة هل هي من قول الله تعالى عقب قول مؤمن آل فرعون؟ أم هي من قول مؤمن آل فرعون قاله لفرعون ومن معه في مجلسهم؟ ذكْرها في المحاورة يدل على أنها من قول هذا المؤمن، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً﴾ [غافر: ٣٨ - ٤٠]، فيقول بعدها: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾ [غافر: ٤١] فكون هذه الآية بين سياق هذه الآيات التي هي حكاية عن قول مؤمن آل فرعون يدل على أنها من قول مؤمن آل فرعون.
وهذا المؤمن لا شك أنه تخرج على يد نبيين كريمين هما موسى وهارون عليهما السلام، فكان يعلم عن الله وعن رسله وعن الآخرة وعن الدين ما يعلمه العارفون بالله المؤمنون به.
وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ [غافر: ٤٠] أي: من ارتكب سيئة فجزاؤه -إن لم يتب ويستغفر ربه- أن يعاقب في سيئته بعقوبة على قدر ذنبه.
أما من عمل صالحاً فكما قال الله: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [غافر: ٤٠] أي: من عمل صالحاً حال كونه مؤمناً ذكراً كان أو أنثى، ﴿فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾ [غافر: ٤٠] أي: يجازون بالإيمان، وبالرحمة والرضا، ويكون رزقهم فيها بغير عدد ولا إحصاء، يكون جزافاً بلا حساب ولا متابعة، ذلك من فضل الله وكرمه على العباد.
وكون العمل الصالح لا يقبل إلا ممن كان مؤمناً، هذا من المعلوم من الدين بالضرورة، فالكافر لا ينفع مع كفره عمل صالح، فلا صدقته ولا شفقته ولا نفقته تقبل؛ لأنه لا يعمل ذلك لله، ومن لم يعمل الصالحات زلفى إلى الله وامتثالاً لأمره فإنه يكون متلاعباً، وقد فعل ذلك رياءً أو سمعة أو للشيطان أو من فطرته وطبيعته.
والمؤمن لا يجزى على إحسانه إلا إذا كان قد فعله لله لا لغيره سبحانه؛ ولذلك قيده الله بقوله: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [غافر: ٤٠] فالواو واو الحال، أي: عمل ذلك حال كونه مؤمناً، سواء أكان ذكراً أم أنثى، فإن كان مؤمناً فإن الله يدخله الجنة، ويجازيه من أرزاقه ونعيمه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويعطيه بغير حساب ولا مطالبة ولا محاسبة.
وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة، وقد مضى في هذا المعنى آيات كريمات في سور شريفات.


الصفحة التالية
Icon