تفسير قوله تعالى: (يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم)
قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢].
الظالمون هنا هم المشركون والكافرون، فيكون النصر في الدنيا، ويكون في اليوم الذي لا ينفع المشركين معذرتهم، أي: عندما يقومون للاعتذار: فيقولون نحن كنا ضعافاً، وكبراؤنا هم الذين أمرونا، ونحن لا نفكر جيداً، فيقولون هراءً لا يقبله الله منهم.
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ [غافر: ٥٢] أي: يلعنهم الله، ويطردهم من رحمته ومن جنته.
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢] أي: ولهم الدار السيئة، وهي جهنم وبئس المصير، سيكونون عندما يطردون من الرحمة ليس لهم إلا العذاب والنار، ﴿وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢].
هؤلاء الذين قاتلوا الأنبياء وكذبوهم، وقاتلوا المؤمنين، وهجموا على دورهم، فاستباحوا أعراضهم وأموالهم، وتحالفوا مع اليهود من القردة والخنازير وعبدة الطاغوت على المؤمنين والصالحين، فكان ما ذكره الله هو عاقبتهم، ونهايتهم.
وأما الرسل والمؤمنون فهم منصورون، ويكون نصرهم إما بإبقائهم وهزيمة أعدائهم، وإما بأن يموت من مات فينال الشهادة والكرامة، فيذهب إلى ربه مسرعاً بشهادته، ويبقى ختم أولئك: المحنة واللعنة والغضب، وهذا التاريخ بيننا، فالتاريخ الحديث والقديم يؤكد كل هذا، ودعنا مع تاريخنا الإسلامي وما حصل في بدايته وفي وسطه وفي عصرنا، فجميع من كفروا بالله وقاتلوا رسالات رسل الله، وقاتلوا المؤمنين الصالحين، قاتلوهم في اليمن، وفي العراق، وفي مختلف بلاد المسلمين، كانت النهاية للمجرمين اللعنة والخزي والدمار في الدنيا، ولعذاب الله في الآخرة أشد وأنكى.
وسنسمع يوم القيامة ونحن في الجنة بفضل الله وكرمه، أنهم مع فرعون وهامان ينادون يا ويلنا وبلاءنا ومصيبتنا، ويأتي الأتباع الذين ساندوهم وبايعوهم وأيدوهم ومشوا خلفهم وتعصبوا لهم -ونحن نرى هذا حيث ذهبنا- يتخاصمون مع كبرائهم تخاصم الجياد في الماء، يقول المستضعفون للكبراء كما حكاه الله عنهم: ﴿وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ﴾ [غافر: ٤٧]، فيرد عليهم الكبراء بأن الله قد حكم بين العباد، فيدعون الملائكة، فلا يجدون عندهم إلا الخزي واللعن، ويتساءل الملائكة: ﴿قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [غافر: ٥٠]؟ فلا يستطيعون إلا الإجابة بقولهم: ﴿قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ﴾ [غافر: ٥٠]، وما قاله الله حق وواقع لا محالة، ومن تشكك في كلامه فليس بمسلم.