نجاسة المشركين
ثم بعد ذلك أمره الله بطرد جميع المشركين والكفار، وألا يعودوا يوماً إلى دخول المدينة؛ لأنهم أنجاس، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: ٢٨]، وإن من الناس اليوم من لا يؤمن بهذا، مع أنه لا يباح لكافر أو لمشرك أو لنصراني أو يهودي ونحوهم أن يدخل مكة والمدينة؛ لأنه نجس، فلو دخل متحايلاً أو زاعماً أنه مسلم ثم هلك ودفن فيجب على من علم بدفنه أن يخرج جثته وجيفته ويبعدها خارج الحرم؛ لأنها نجسة، فهو في الحياة نجس فكيف بعد موته فقد ازداد نجاسة على نجاسة.
ولذلك طهر الله تعالى هذه الديار التي شرفها على جميع قارات الأرض، وهي ممر الأنبياء ومقامهم، ومكان البيت المحرم ومكان الكعبة المشرفة، وهي التي لا تنقطع العبادة فيها ليلاً ولا نهاراً، وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام من عنده مفاتيح الكعبة فقال: (يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً يطوف بهذا البيت من ليل أو نهار) وأمرهم ألا يغلقوا أبوابها، وهكذا الأمر، فجميع بيوت الله تغلق أبوابها؛ لأن الصلوات لها أوقات معروفة وما بين الصلوات وخاصة في الليل لا حاجة لفتح أبوابها.
وأما بيت الله الحرام فالطواف لا وقت له، والعمرة كذلك لا وقت لها، وعلى ذلك فجميع الأوقات الصباح والمساء بعد صلاة الصبح وبعد العصر، وفي جميع الأوقات والأزمان يعبد الله في الحرم: بالإحرام، وبالطواف، وبالسعي، وبالصلاة، وبالذكر، وبالتلاوة، بل وبمجرد الجلوس في بيت الله الحرام والنظر إليه دون قول ولا ذكر ولا تلاوة.
ولذلك ملكه الله هذه الديار المقدسة، وطرد عنها عدوه، وأمره بالشكر بقوله: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ [غافر: ٥٥]، قوله: (في العشي) أي: بالعشي، وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض، والعشي هو المساء، والإبكار: الصباح، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بورك لأمتي في بكورها)، وجعلت البركة في البكور.