تفسير قوله تعالى: (إن الذين يجادلون في آيات الله)
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [غافر: ٥٦].
يوجد قوم من وقت نزول الآية الكريمة وإلى عصرنا كفرة بالله منافقون، ويحاولون أن يخاصموك ويجادلوك بالكلام على آيات الله، وبالكلام على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالكلام في الحلال والحرام، وأحدهم أجهل من الحمار، وأبعد من أن يميز بين اليد والقلم، وهؤلاء عندما يأتون فإنهم يحرفون كلام الله، وكثيراً ما يصنعون ذلك في كتب التفاسير في عصرنا، فأخذوا يقولون كلمة من الدجل والشعوذة: والتفسير العلمي لكتاب الله في هذا العصر! فهذا شيوعي زعم أنه تاب وعاد إلى الإسلام، وكتب ما يسمى بهذا الاسم، وصار يسمع صوته في الإذاعة وفي التلفزة، وقد يكتب في الجرائد، وقد يكتب كتباً، وهو دجال كذاب فاحذروه وانتبهوا له، في رسائله وفيما يقوله من شتم للنبي عليه الصلاة والسلام، وكفر بالله، وتحريف لكتابه، وتفسير لآياته بخرافته، وكثيرون كذلك، وأكثر ما كتب في هذا العصر في التفسير على هذه الطريقة.
فهؤلاء يريدون أن يجادلوا ويخاصموا ويزعموا إبداؤهم الحجج والبراهين في تحريف كلام الله وتأويله على غير وجهة، وهؤلاء يقول الله عنهم: ﴿إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ﴾ [غافر: ٥٦] (إن) بمعنى: ما النافية، أي: ما هو إلا كبر في صدورهم، أي: في قلوبهم الكبرياء والكفران، فلا يطيعون ربهم أو نبيهم أو خلفاء نبيهم من العلماء والدعاة إلى الله، فيذهبون ويقولون: لماذا نطيعهم فكلنا نفهم؟ ولماذا لا تفهمون إلا أنتم؟ فنقول لهم: نعم نفهم نحن وأنتم، ولكننا درسنا، فأنتم ينبغي أن تدرسوا ما الله جعله واضحاً وبيناً، فأنت يا أيها الذي لا تميز بين سطر في جريدة وسطر في كتاب الله أتريد أن تفسر كلام الله؟! فيقول لك: ولماذا لا أفعل؟ وهكذا هؤلاء لعنهم الله تعالى وأضاع عقولهم ومسخهم، وأتوا من القول بكلام ما أنزل الله به من سلطان.
وأحد كبرائهم في هذا العصر -وهو رئيس دولة، وهو كافر بالله؛ لإنكاره السنة- قال: لا أؤمن إلا بما في القرآن! فرجع إلى القرآن فقال: القرآن ليست فيه الصلوات خمس، ولا صيام ثلاثين يوماً، وليس فيه تفاصيل الزكاة، والقرآن أكثر ما أنزل فيه المجاز، ومعاني الكثير من الكلمات إنما هي مجازات وإشارات لأشياء أخرى.
وهذا هو فعل كل الفرق الضالة المضلة التي أخبرنا عنها نبي الله ﷺ في حديث الافتراق، فقال عنها: (كلها في النار)، فهي تزعم الإسلام وهي أكذب خلق الله على الإطلاق، وأقبح من اليهود والنصارى، فالنصراني لا يقدر أن يأتي إليك ويقول: تعال أعلمك كتاب دينك وسنة نبيك، فأنت تعلم أنه لا دخل ليهودي ولا لنصراني في الإسلام، وأما هذا فيزعم أنه مسلم، ويأتي ويحرف.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ [غافر: ٥٦] فيجادلون ويخاصمون وينازعون ويحاولون الحجاج كذباً وزوراً، ﴿بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ﴾ [غافر: ٥٦] أي: بغير دليل وبرهان، وبغير حجة من قرآن أو حديث أو إجماع أو لغة، إن كلامهم إلا الهراء والعواء كعواء الكلاب والذئاب.
وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ﴾ [غافر: ٥٦] أي: في كتابه وفي قدرته، وفي معجزات أنبيائه، وفي دينه بغير دليل ولا برهان، وكأن الله يقول: ما هؤلاء يريدون حقيقة إلا كبرياء في صدورهم وقلوبهم.


الصفحة التالية
Icon