تفسير قوله تعالى: (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس)
ثم قال تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧].
يقول ربنا للمنكرين للبعث: أنتم تعلمون وتشهدون وتعترفون وترون بالأعين وتسمعون بالأصوات أن السموات والأرض خالقها الله وبانيها، فهل هذا الذي قدر على خلق السموات والأرض عجز عن أن يخلق إنساناً ويكونه مرة ثانية وقد أوجده من قبل من العدم؟! كما قال تعالى: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].
فالذي خلق السموات والأرض أكبر جرماً وأكثر امتداداً، يعجز عن خلق هذا الإنسان الضعيف الخلقة مرة أخرى؟ وهذا كقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣].
أي: ألم ير هؤلاء المشركون المنكرون للبعث وللحياة بعد الموت، وللذهاب للآخرة، كيف خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولم يجد صعوبة ولم يعي بخلقها، خلافاً للنصارى والوثنيين المشركين عبدت الصليب؛ لأنه خلقها في ستة أيام ثم تعب فاستراح، وصعد على العرش حاشا الله! ومعاذ الله! وسبحان الله! بل لم يعيى في خلقهم سبحانه وهو القائل: ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق: ٣٨]، فلم يتعب عليها ولا يسلكه ذلك، وإنما ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٤٧].
فخلق السموات والأرض على كبرهما وعظمة أجرامهما، ولم يكلفه ذلك أكبر من أن تمسكا.
وقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]، أي: أعظم في صدورهم، وإلا فالكل على الله هين، فهو يخلق القليل والكثير، هو الذي خلق السموات وخلق الذبابة والناموسة، والبشر والخلق كلهم يعجزون أن يخلقوا ذبابة على حقارتها وضآلتها.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧] أي: ولكن أكثر الناس لا يعلمون توحيداً ولا حقيقة ولا قدرة ولا إيماناً، وهذا كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٦]، وكقوله تعالى: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ [الواقعة: ١٣ - ١٤].
ولم ينجو من عذاب الله، ولم يكرم بالتوحيد وبالإيمان إلا قليل من السابقين والآخرين، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٥٧].