تفسير قوله تعالى: (وما يستوي الأعمى والبصير)
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر: ٥٨].
يضرب الله الأمثال للجن والإنس ليفهموا المعاني ويعوها، فهل يستوي أعمى وبصير؟ هيهات هيهات أن يستوي بصير ينظر ويرى النور والضياء والخلق والناس مع الأعمى الذي لا يرى قريباً ولا بعيداً، ثم ضرب الله مثلاً آخر: وهو هل يستوي الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع الذين كفروا وفعلوا المنكرات؟ هيهات أن يستويان، فذاك مؤمن موحد من أهل الرضا والإيمان، والآخر من أهل الغضب والسخط الإلهي من الخالدين في جهنم والنيران.
وقوله: ﴿قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر: ٥٨] أي: تتذكرون قليلاً، أو لا تتذكرون وتعلمون وتعون وتدركون إلا قليلاً، أي: قليلاً من الناس المتذكرون، وقليلاً في أنفسكم الذكرى، حتى المؤمن تجده يغفل ويسهو أكثر أوقاته وأزمانه، فإذا هو تذكر ففي القليل من الزمن.
فتجد الناس القليل منهم من يتذكر ويقول: من خلق هذا العالم؟ من الذي خلق الحياة والممات؟ من الذي دبر الكون؟ التفكير في هذا عبادة، ومن فكر كذلك فلا يكاد يصل إلا إلى الحقيقة، وهذه الحقيقة هي أن الله الخالق الرزاق المحيي المميت جل جلاله وعز مقامه.


الصفحة التالية
Icon