تفسير قوله تعالى: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)
قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠].
يقول الله لعبده ونبيه: قل يا محمد للجن والإنس ومن أرسلت إليه: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، (ادعوني) أي: اعبدوني بندائي في الدعاء يا الله، واطلبوني في كل ما تريدون.
والله جل جلاله انفرد بأنه الذي يحب أن يدعى ويطلب منه، فحتى ملح طعامك إذا لم تجده فادع الله، وحتى شسع نعلك إذا انقطع فادع الله، والناس عادة يملون من كثرة السؤال، لكن الله جل جلاله يحب العبد السائل الداعي، يحبه عندما يدعو ويضرع قائلاً: يا رب! لا باب إلا بابك، ولا رب لي إلا أنت، ولا معطي ولا مانع إلا أنت، ولا هادي إلا أنت، فإذا طردتني فأي باب أطرق؟ ومن أدعو وأطلب؟ وكما في الحديث القدسي: (عليكم الدعاء وعلي الإجابة)، أوجب الله ذلك على نفسه بعد أن أوجب الدعاء علينا، وفي حديث نبوي آخر: (الدعاء هو العبادة)، وهو في صحيح ابن حبان، وصحيح الحاكم، وفي السنن الأربع لـ أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وهو في الكثير من أمهات السنة المطهرة.
وكذلك في الحديث الآخر الذي في الصحاح والسنن: (من لم يدع الله يغضب عليه)، فالدعاء هو جزء من أجزاء العبادة، وشعبة من شعبها؛ لأن معنى قول الداعي: أعطني يا الله، أي: أنك أكدت واعتقدت على أنه لا قادر على العطاء والمنع إلا هو.
فمجرد هذا الاعتقاد في نفسك عبادة، فإذا أنت نصبت به وأعلنته تكون عالماً بخالقك وبعقيدتك، ولذلك أيضاً في الصحيح وفي السنن: (من لم يسأل الله يغضب عليه)، ولا يدخل هذا المدخل -أي: نزل سؤال الله- إلا مخذول، يدعوك الله للدعاء ليستجيب لك دعاءك، ومع ذلك تتأخر عنه وهو القادر على كل شيء.
ومما يدل على أن الدعاء عبادة قوله تعالى هنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠]، أي: عن دعائي وسؤالي ورجائي.
لذلك قال الله في أول الآية: ((ادْعُونِي)) وفي آخرها: ((عبادتي)) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ [غافر: ٦٠] أي: يتعاظمون عن ربهم، عن عبادته، وعن اتباع أنبيائه، فهؤلاء يشركون بالله؛ لأنهم لا يعبدون الله، وقد جعلوا له شركاء عبدوهم معه، أوثاناً وأصناماً وأوهاماً ما أنزل الله بها من سلطان، المتكبرون المتعاظمون عن دعوات الرسل، جزاؤهم ما قال الله في آخر الآية: ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: ٦٠]، أي: أذلاء صاغرين، فسيدخلون جهنم بشركهم وكفرهم وبعدهم عن الله، ولتعاظمهم عن أمر الله وطاعة رسله.
إذاً: فمن تكبروا عن دعاء ربهم يهددهم الله ويتوعدهم وينذرهم بأنهم سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين، أحبوا أم كرهوا.
ولذلك الدعاء له مقام كبير في الإسلام، فالدعاء نفسه عبادة من عبادات الله، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كانت له أذكار ودعوات صباحية ومسائية ونهارية، وعند النوم وعند الصحو، وعند الخروج من الدار وعند الدخول إليها، وعند السفر وفي الحضر، ودخول المساجد والخروج منها، وفي جميع الأحوال، وقد اعتنى بذلك العلماء من سلفنا الصالح، فكتبوا من الأوراد والأذكار التي التزمها النبي عليه الصلاة والسلام، والتي علمها أتباعه المؤمنين، أوسع وأكثر هذه المراجع الأذكار للنووي، وقد شرح في عدة مجلدات، وأقربها للمعنى أذكار ابن القيم، وأذكار الشوكاني، وأذكار السيوطي، وهذه الكتب على اتصالها بالموضوع تتحدث عن صحتها وعن ضعفها، وعن أسباب ورودها في الكثير من الأحيان.
فينبغي للمؤمن أن يلتزم بذلك؛ ليكون في حصن حصين؛ لأن الذكر والدعاء من الله يتحصن به الإنسان من شر ذوي الشر من الجن والإنس.