تفسير قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون)
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾ [غافر: ٦٩].
أي: ألم تر يا محمد! ويا أيها التالي والسامع والقارئ لكتاب الله، والمتمعن في قدرة الله وخلق الله، إلى الكثيرين ممن يجادلون في آيات الله، ويحاولون بطلان الحق في خلق الله وفي كتابه وأنبيائه بباطلهم وهرائهم وهذيانهم، ﴿أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾ [غافر: ٦٩] أي: كيف يصرفون عن الحق والإيمان والهدى؟ كيف يحصل ذلك مع ما خلق الله لهم من عقول وأبدان سليمة ومع ذلك تضيع عقولهم، وأديانهم وتفكيرهم، فيتصرفون تصرفات الحمقى والمجانين ممن لا عقل لهم ولا تفكير ولا ذكرى ولا إرادة؟! وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ﴾ [غافر: ٦٩] هنا استفهام من الله للنبي عليه الصلاة والسلام ولكل سامع وقارئ، وهو استفهام توبيخي وتقريعي لهؤلاء، ولفت نظر للنبي عليه الصلاة والسلام والمؤمنين.
أي: ألم تر إلى هؤلاء كيف يجادلون بالباطل ليدحضوا الحق ويحقوا الباطل؟ وهذا كان فعل اليهود والنصارى ولا يزال، وفعل كل منافق كافر بالله، فيأتيك فيجادلك عن الدنيا أنها بفطرتها توالدت كالإنسان يلد إنساناً وكالدودة تلد دودة، فنقول له: فمن خلق الأول؟ ألم يكن آدم المخلوق الأول واحداً؟ قالوا: المخلوق الأول هو قرد، ولذلك هم قردة، وفكروا بعقول القردة وبمعارف القردة، فنقول لهم: وهذا القرد من خلقه وأوجده؟ ويقولون: كانت الحياة خلية واحدة ثم تكاثرت، وهو ما يسمونه بمبدأ النشوء والترقي، فهذا وحي من الشيطان، وكلام باطل من الهذيان، لا يقبل به عقل سليم، ولا يكاد يقف على رجليه ولا حتى حبواً عند المنطق والعقل والحوار في معرفة الحقائق والأباطيل.
فقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ﴾ [غافر: ٦٩] أي: كيف يصرفون عن الحق؟! وقد عرفهم الله في آية أخرى أنهم ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: ٧٠]، فقد كذبوا بالقرآن، وإذا أطلق الكتاب فهو القرآن الكريم، وإذا قيل الكتاب في علوم العربية من نحو وبلاغة ولغة ومعانٍ وبديع فهو كتاب سيبويه إمام النحو.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾ [غافر: ٧٠] أي: كذبوا كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكذبوا ما أرسل الله به رسله وأنبياءه، كذبوهم في الوحي وفي الرسالة والنبوءة، وكذبوهم في دين الإسلام، وكذبوا محمداً نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، فهم يجادلون بالباطل، ويحاولون أن يكذبوا كتاب ربهم، وما كذبوا إلا أشخاصهم وكيانهم وعقولهم، وهذه صفة لكل كافر بكتاب الله، وبرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذين يقولون عن المسلمين: إنهم رجعيون، هم الرجعيون الذين رجعوا إلى كفر الكافرين قبلهم، وإلى يهودية اليهود ونصرانية النصارى وإلى الجاهلية الأولى، فأنكروا الحقائق، وحاولوا أن يجعلوا للأباطيل قولاً ودليلاً، ولكن هيهات هيهات! فالذين يكذبون بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون، فالله يتهددهم وينذرهم، ويتوعدهم بشديد العذاب، وبالخلود في النار وبئس المصير.
وقوله: (فسوف يعلمون) تقول: سآتيك، وتقول: سوف آتيك، فالسين لتسويف القريب، ولتسويف البعيد تقول: سوف، فهو بعيد بالنسبة للناس، أليس الصبح بقريب؟ بلى هو قريب.
فالله يقول لهؤلاء: إنكم ستموتون يوماً، ومن الذي يكون منكم حياً إلى الأبد، وستعلمون قبل الموت وأنتم في قبوركم، عندما تخرج أرواحكم وتصل إلى حلقومكم، ستعرفون إذ ذاك جزاؤكم.