بيان هل الإنسان مسير أم مخير
Q هل نحن مسيرون أو مخيرون؟
ﷺ الله جل جلاله أمر بالإحسان وبالطاعة ولم يأمر بالسوء وبالمعصية، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد، قال تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]، والله نهانا أن نقول عن شيء: إننا فاعلوه غداً، قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، وهذا زيادة في التوكيد وزيادة في الفهم والبيان.
فعندما أقول لك: غداً سأفعل وأفعل، من الذي ضمن لي الحياة إلى الغد؟ فأنا عندما أقول: غداً سأفعل كذا ولم أستثن بالمشيئة أكون كاذباً؛ لأنني أتصرف فيما لا أملك، فإذا قلت لك: غداً سأفعل كذا إن شاء الله فالأمر معلق بمشيئة الله، وقد يحقق الله هذا الوعد وقد لا يحققه، فهو راجع إلى مشيئته، ومع كل ذلك فنحن مخيرون لا مسيرون، بمعنى: لنا إرادة خلقها الله لنا، وعقل نفكر به خلقه الله لنا، فيمكن أن نفعل الخير أو أن نفعل الشر.
وأما ماذا قدر الله في سابق الأجل؟ فهذا سر من أسرار القدر لا يعمله إلا الله.
وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن هذا عندما أمرنا أن نؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: (جفت الأقلام ورفعت الصحف بما كان ويكون إلى قيام الساعة، فسأله الصحابة الحاضرون، قالوا: إذا كان الأمر كذلك فلم العمل؟) أي: أن السعيد وهو في بطن أمه سيدخل الجنة عمل أو لم يعمل، والشقي وهو في بطن أمه سيدخل النار عمل أو لم يعمل، فأخطئوا الفهم، فأعادهم رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الصواب فقال لهم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فالذي قدر الله له أنه من أهل الجنة لن يترك الصلاة إذا صلى الناس، وإذا حجوا ترك الحج، وإذا صاموا أفطر، بل إن الله يلهمه ويوفقه أن يلازم صلواته، وأن يحج بيت الله الحرام، وأن يزكي ماله، وأن يصوم شهر رمضان، وأن يفعل الخير ما استطاع إلى ذلك، وأن يبتعد عن الشر وعن المعاصي، وهذا في الأزل.
أما في دار الدنيا فلا يستطيع أحد أن يقطع أنه من أهل الجنة أو النار، لكننا نعمل ونرجو الله، وندعوه، فما هو كائن في علم الله سيقع ولا أحد يعلمه، فعلينا أن نكثر من العبادة ومن الإخلاص ومن الطاعة، ونكثر من الدعاء كما أمرنا الله ورسوله به، قال تعالى: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢].
فمن خلق للجنة يسره الله لعمل أهل الجنة، ومن خلق للنار يسره الله لعمل أهل النار، وفي ما عدا ذلك نشعر أننا مسلمون ونؤمن عن طواعية، ولو فكر أحدنا ألا يصلي أو لا يصوم شهر رمضان، فمن سيمنعه، فنحن نشعر بهذه القدرة وبهذه الإرادة، ولو شاء بعضنا أن يقتل بعضاً من يمنعه، فإذا: نحن نشعر بالقدرة على عمل الخير وبالقدرة على عمل الشر، فبعضنا يعمل الخير رجاء ثواب الله، وبعضنا يترك الشر إما خوف الله أو خوف الموت أو خوف العذاب، وعلى كل اعتبار فله إرادة استطاع أن يفكر بها أنه لو شتم الناس أو سكر أو ارتكب المعاصي أنه سيؤخذ في السجن وقد تقطع يده إن كان سارقاً، وقد يقتل إن كان قاتلاً، فهذا الخوف منعه من الفعل، ولا يكون الخوف إلا من الله.
وهذه المعاني التي هي: خوف أو رجاء أو طمع هي أيضاً من القدرة والإرادة التي خلقها الله فينا، فإذاً: نحن مخيرون، أما ماذا في الأجل؟ هل كتبنا الله في بطون أمهاتنا سعداء أم أشقياء؟ فهذا لا نعرفه ونقول: الله أعلم، ولكن نرجوا أن يكون خيراً، ومع ذلك نحتاج إلى المحافظة على صلواتنا، وعلى صيامنا، وعلى أركان ديننا رجاء ذلك، من شب على شيء شاب عليه، فمن شب على الإسلام، وعلى المحافظة على الصلوات، وعلى القيام بأركان الإسلام أتم الله له نعمة الإسلام والتمسك بها.
أما أننا مسيرون وتكون النتيجة فيما يريده المنافقون والفسقة: أنه لا إرادة لنا ولا اختيار في الحسنات والسيئات فلم الجنة والنار؟ وإنما الأعمال بالنيات، فإذا كان العمل بلا نية صالحة لا يعتبر، وإذا كانت النية صالحة بلا عمل لا تكفي ولا تعتبر.
فإذاً: نحن مخيرون لا مسيرون، وكوننا مسيرين في الأجل هذا لا ارتباط له بإرادتنا، ولا باختيارنا، فهو عمل من أعمال الله، وسر من أسرار القدر، والقدر لا يبحث فيه أحد، ولو حاول الإنسان أن يبحث عنه فإنه سيخرج بلا نتيجة، وقد يخرج ضالاً مضلاً، والأنبياء قد خاطبونا ودعونا لدين الله، وأرشدونا لعبادة الله، والقرآن الكريم على هذا الأساس أنزل.