تفسير قوله تعالى: (ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون)
قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ [غافر: ٧٥].
أي: ذلك العذاب، وتلك السلاسل والأغلال، وذلك السحب إلى جهنم، وذلك الشراب من الحميم، ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [غافر: ٧٥].
فتجد الكافر في أغلب الأحيان إن كان صحيح البدن، مكفياً في عيشه، يضحك وكأن شيئاً لم يكن، وكأنه ليس أمامه نار ولا عذاب ولا قيامة ولا محاسبة، فهو فرحان بكفره، وبشركه، وبأنه لم يكلف نفسه كما يعذب المسلم نفسه بالصلاة والصيام وهذا حلال وهذا حرام، فهم يضحكون علينا، ويستبعدون العذاب، ولسان حالهم: وما يهلكنا إلا الدهر، كما قال الكفرة الذين سبقوهم، فهم رجعيون رجعوا لأولئك السابقين، ففرحوا بالكفر ومرحوا به وسرحوا، وأخذهم البطر والأشر والتكبر والتعالي بأنهم كافرون، وظنوا أنما أتوا به هو خير لهم، وظنوا أنهم يحسنون صنعاً.
فهم قردة لا يملكون عقلاً ولا سمعاً ولا بصراً، فهم غارقون في الضلالة، والفساد، وكأنهم يضحكون على أنفسهم وعلى مستقبلهم وهم لا يشعرون.
أما الفرح بالله، والفرح بالحق، والفرح بدين الإسلام، والفرح بكوننا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، فذلك فرح بحق، وذاك مما يزيد المؤمن إيماناً، والعابد إخلاصاً، والمطيع طاعة، وإنما عاب الله عن هؤلاء؛ لأنهم يفرحون في دنياهم بالباطل، وبالكفر، وبالشرك، وبالظلم، وبالاعتداء على الخلق.
وقوله: ﴿وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ [غافر: ٧٥] المرح: البطر والأشر، وهو الوصول بالفرح إلى درجة خفة العقل بالرقص والحركات؛ لأنهم وجدوا أنفسهم فيما يظنون أنهم غير مكلفين، فينامون متى شاءوا، ويعملون متى شاءوا، فلا صلاة عليهم ولا تثريب عليهم، ولا يقولون: خرجنا لهذا العالم لطاعة الله وأنبيائه، أو عمل شيء، بل ظنوا أنهم خرجوا لهذه الدنيا عبثاً، وهيهات هيهات! أن يخلق الله شيئاً عبثاً، كل شيء خلقه بحكمة وبإرادة، وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، فإذا ابتعدوا عن هذه الغاية من خلقهم، وهي عبادتهم لله ضلوا وأضلوا، واستوجبوا لعنة الله وعذابه وخلودهم في النار يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon